الخسارة والربح
من المخاطر الكبرى التي تعيق الحوار ان بعض الاطراف المتنازعة لم تستوعب تاريخ اليمن والتحولات التي فرضتها الانتفاضة الشبابية حيث مازالفهما للازمات المتراكمة في ظل الصراع المعقد سطحيا مؤسس على الاستحواذ وإلغاء الآخر وقائم على موقف الخسارة والربح.
فالتنافس والخصومات انتجت تناقضات واسعة النطاق في فهم الواقع وتولدت من قلبها حلول متحيزة للمصالح الانانية الفردية والجماعية وأصبح تغليب رؤيتهم واجبار الآخر على اتباعها طريقا لتحقيق النصر وهذا الموقف وان ظهر وانه يعبر عن المصالح الوطنية إلا انه في حقيقته نتاج نزوع تصفوي للآخر أو تهميشه على الاقل.
إدارة الصراع بعقلية الخسارة والربح لدى بعض الاطراف بطبيعة الحال يعقد تفكيك الازمات ويعيق حتى الحوار والتفاوض. وهذا الموقف يجعل من السياسة حالة حرب ويتم تدمير الموقف الوسط باعتباره خيار أكثر جدوى في واقع منقسم على نفسه. عندما يفهم الصراع بان ربح طرف يعني خسارة الآخر? فإن الاطراف المتنازعة ترتبك في فهم واقعها وتحاصر نفسها بالقوة الصلبة كمحدد جوهري لحسم الصراع ويصبح الحوار أداة للاحتواء ليس إلا? وعادة ما يقود موقف الربح
والخسارة الى قرارات خاطئة مدمرة للذات وللآخر وللواقع.
صحيح ان الاطراف الاكثر تأثيرا في النزاع تمكنت من حل الصراع عبر التسوية السياسية ومثلت أداة رائعة وواقعية للحد? من الصراع وطريقا لتفكيك الأزمة المركبة على المدى البعيد إلا ان الموقعين وأنصارهم لم يستوعبوا الآليات الضرورة المفترض انتاجها لحل الصراع وفق التسوية التي تم التوافق عليها وحتى اللحظة مازال موقف الخسارة والربح هي المحدد الجوهري في تنظيم وإدارة الصراع وهذا الامر قد يقود الى خلل كبير في بنية التسوية والمنظومة التي افرزتها وربما ينتج عن هذا الخلل حرب لحسم التناقضات.
ونشير هنا مهما كانت ادوات الحسم القائمة على تحصيل الربح بما يؤدي إلى خسارة الآخر المحصلة النهائية لها لانها مبنية على أوهام هي استمرار الصراع وتراكم الازمات? ويؤكد الخبراء أن المعارك القائمة على الاقصاء والإلغاء لا رابح فيها وانما خسائر متفاوتة.
علينا ان ندرك أن اليمن ومسيرته التاريخية في بناء الدولة وصراعات القوى باي شكل تجلت يعاني من إشكاليات لا حصر لها تفكيك أحدها يقود الى اشكاليات اخرى? لذا لن يربح أي طرف مهما كانت قوته واي نصر متخيل هو أزمة مركبة فوق ازمات متشعبة ومعقدة? كما ان النصر يبدو مستحيلا وستكون الخسائر المتبادلة أشبه بحالة الفناء المتبادلة بين الخصوم وضياع اليمن.
يبدو لي ان استيعاب الواقع واعتماد الآليات التي اسست لها المبادرة الخليجية هي الطريق الاكثر جدوى.
المراهنة على اليمن ومستقبلة وتقديم التضحيات وتأسيس الدولة المدنية بحدها الأدنى مقدمة ضرورية للولادة الجديدة.? وبدون ذلك فإن اللعنة ستحل على الكل بلااستثناء ولن ينجوا منها أحد.