اليمن بعيون سعودية.. آباء يتاجرون بأبنائهم.. مهربون يتخصصون في “الصغار” لاستغلالهم
خلال تجهيزي للسفر إلى اليمن وبحثي عن مهرب يعبر بي الحدود? فتح أمامي ملف خطير هو تهريب الأطفال اليمنيين إلى المملكة واستغلالهم? وقد أثارت الحوارات التي دارت بيني والعمالة اليمنية التي تصل إلى المملكة بحثا عن لقمة العيش مرورا بمصاعب لا تحصى من خلال الحدود أسئلة كثيرة? وبدأت أحلل المعلومات فوجدت أن الجانب الأكثر صعوبة في هذا الملف المعقد? هو الأطفال الذين ينتهي حال غالبيتهم إلى متسولين? فلا حرفة يتقنونها ولا قدرة على الأعمال الجسدية الصعبة ولا جهة ترضى بهم عمالا لأنهم سيكونون مكشوفين للجهات الرقابية الحكومية الأمنية والمدنية.
ومن هنا قررت البحث في ظاهرة تسول الأطفال من الجنسية اليمنية في المملكة? وهي ظاهرة أصبحت ملحوظة في مختلف المدن والقرى? ويدعم القلق من هذه الظاهرة إحصاءات رسمية سعودية تؤكد أن 90% من ممتهني التسول في المملكة هم من الوافدين الذين تحتل الجنسية اليمنية اليوم الرقم الأكبر بينهم وغالبيتهم من الأطفال.
تجارة الأطفال
نزلت “الوطن” إلى الشارع ولم يكن صعبا الوصول إلى طفل متسول فهو الذي يركض نحوك ما أن يرى يد تمتد ترفرف بها ورقة من عشرة ريالات? اقترب وبانت معالمه الحزينة وجه يحطمه التعب ولا بريق طفولة في عينيه وخدوده الخشنة ويده بها جروح واضحة? سألته وأنا أمسك طرف الورقة النقدية :”أنت من وين (أين)?” قال “أنا جيزاني” قلت :”لا أنت من اليمن صح?” قال “ايوة (نعم)”? طلبت أن يتوقف لأعطيه ملابس معي فنظر طويلا في وجهي وداخل السيارة ثم هز رأسه بالإيجاب.
المنطقة التي كان يتسول بها هي تقاطع طريق العليا العام مع موسى بن نصير (في الوسط التجاري)? توقفت حتى قدم سألته وأنا أناوله الملابس “كيف وصلت المملكة?”? قال :”مع واحد قريبي مشينا إلى أبو عريش وهناك أخذنا مهرب إلى أطراف الرياض قبل نقطة التفتيش نزلنا هناك ومشينا لين الرياض”? سألت “كم يوم هذه الرحلة?”? قال “10 أيام”? سألت “هذا بعد الحرب في صعدة?” قال “لا قبلها ما أقدر أرجع الآن من يطلع من البلاد (اليمن) ما يقدر يدخل لها مرة ثانية الحدود يقولون صارت صعبة مرة”? قلت له “من قال لك إنك لا تستطيع العودة لليمن وإن الحدود صعبة ولا تستطيع العودة لمشاهدة أهلك? من يكذب عليك ويقول لك ذلك?” نظر لي طويلا ينتظر أن أكمل حديثي وقد ارتبك من كلامي وقال “قرايبي يقولون لي كذا”? فقلت له “لأنك تحضر لهم المال لا يريدونك أن تعود لأهلك إنهم يستغلونك ويخدعونك”.
لحظة صمت تأملت فيها وجهه المسكين وعينه التي تغالب دمعه وسألته “هل تسمع عن أطفال يخطفون? هل أنت مخطوف? هل هناك عصابات تخطف الأطفال للتسول?” خاف الصبي مني وقال “أنت شرطي?? أنا لازم أمشي”? عرضت عليه خمسين ريالا إذا استمر في الحديث فوافق وقال “أنا أتيت مع قريب لي لكني أعرف أن فيه ناس يخطفون أولاد من القرى في اليمن ويجيبونهم السعودية في الرياض أبها وجدة يشحذون? وينامون في عزب لهم (غرف خاصة بهم)” سألت :”هل يستغلونهم?”? فلم يفهم سؤالي فقال:”ايوة يشغلونهم في شوارع محددة ويأخذونهم في الليل”? سالت:”أنت وين تنام? وكم دخلك في اليوم” فقال “مسجد قريب من هنا أنام فيه? واعمل في اليوم 200 ريال ومرة جبت 500 ريال”.
آباء يتاجرون بأبنائهم
ذهبت إلى اليونيسيف واستفسرت عن الموضوع لأعطى تقريرا?ٍ غير محدث يشدد على ضرورة أن تضع اليمن حدا?ٍ لتجارة الأطفال فيها وإيجاد حلول جذرية تحول دون تهريبهم إلى المملكة? والتي تعد المتضرر الرئيس على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية من هذه الظاهرة? وجاء في التقرير الذي أعد?ته منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (يونيسيف) بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية اليمنية قبل عدة أعوام? أن إحصاءات خطيرة تستحق المراجعة تكشف أن تجارة الأطفال في اليمن تجري بموافقة من الآباء تصل نسبتها إلى 81.8% منها? لكن 59.3% منها تتم دون رغبة الأطفال أنفسهم? (القانون اليمني يحدد سن الطفولة بمن هو دون الثامنة عشرة)? إلا أن (اليونيسيف) اختارت أن تجري دراستها على من هم دون 15 عاما?ٍ? عملا?ٍ بالتطبيقات الحالية لقانون الطفل العالمي? وأورد التقرير أمثلة منها لو أن طفلا?ٍ وافقت عائلته على تهريبه? وتم نقله بصورة غير مشروعة? أو لأغراض غير مشروعة فالعملية تقع في صنف التجارة بالطفل.
وأوضح التقرير أن عملية تهريب الأطفال في محافظتين يمنيتين محاذيتين للمملكة هما: محافظة حج?ة التي يتبعها (حرض? أفلح الشام? بقيل المير)? ومحافظة المحويت التي يتبعها (المحويت? خميس بني سعد? وسراء)? وأن عملية تهريب الأطفال اليمنيين للمملكة”هي خليط بين تجارة الأطفال والهجرة غير الشرعية? لكن في كلتا الحالتين هناك استغلال للأطفال يتعارض مع قوانين الأمم المتحدة? وأن التمييز بين الحالتين يعتمد على وضعية الطفل الذي يتعرض للتهريب (من حيث رضاه أو عدم رضاه)? والشخص الذي يرافقه (مهر?ب أو أحد أفراد أقاربه) ونوايا الطفل والمهر?ب معا?ٍ”.
هجرة غير شرعية
وأشار التقرير إلى أنه خلال الربع الأول من عام 2