الفصحُ اليهودي لعنةٌ قديمةٌ ودماءٌ جديدةٌ
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
كأنه قدر البشرية جميعاً على مدى الزمن أن تدفع من حياة أبنائها ومستقبل أجيالها، ضريبة الاحتفالات الدينية اليهودية دماً وألماً ومعاناةً ووجعاً، وأن تضحي بحقوقها وتتنازل عما لها، وتفرط في مقدساتها، وتتخلى عن معتقداتها، كرامةً لليهود واحتراماً لطقوسهم الدينية وعاداتهم اليهودية، رغم أنها عاداتٌ غريبة وطقوسٌ شاذة، يأنف منها الإنسان، وتشمئز منها نفوس الكرام، وتخالف القوانين والأعراف، ولا نظن أن فيها شيئاً من شرعة الله ووصايا الأنبياء، إلا أنهم حيثما وجدوا وأينما عاشوا، يجبرون شعوب العالم على أن يخضعوا لهم ويرضوا بحكمهم، وينزلوا عند قرارهم، وإلا فإن اللعنات تنزل عليهم، والسخط يحل بهم، ويتهمون بالعنصرية ومعاداة السامية، وأنهم يكرهون اليهود ويعادونهم، وينكرون معاناتهم التاريخية ومحارق النازية.
يؤكد ما ذكرنا أعلاه ويؤيده، ما نشاهده هذه الأيام ونعيشه حقيقةً لا خيالاً، وواقعاً ولا ادعاءً، خلال مناسبة “عيد الفصح اليهودي”، الذي يصادف عادةً هذه الأيام من شهر أبريل/نيسان من كلِ عامٍ وفق التقويم اليهودي، فها هم الإسرائيليون المحتلون لأرضنا الفلسطينية، الغاصبون لحقوق أهلها وممتلكاتهم، يغلقون المناطق السكانية الفلسطينية كلها، ويحولونها إلى مناطق عسكرية، يمنعون الدخول إليها والخروج منها، ويعتقلون من يخالف أوامرهم، أو يتواجدون خارج مناطق إقامتهم، ويفتحون فوهات بنادقهم تجاه الفلسطينيين عموماً ولا يبالون بقتلهم أو إصابتهم، ولا يقلقهم عدد الشهداء أو عديد الجرحى، فقد قتلوا يوم أمس فقط خمسة فلسطينيين من مناطق مختلفة، أحدهم لم يتجاوز السادسة عشر من عمره.
لئن كان اليهود قديماً يحيون عيدهم “الفصح” بفطيرة صهيون التي يمزجونها بدماء أطفالٍ أبرياء، عانى أهلهم من ظلمهم ومرض نفوسهم وانحراف فطرتهم وشذوذ طباعهم، فها هم اليوم يمزجون أعيادهم بدماء الشعب الفلسطيني كله، ويصنعون فطيرة احتفالاتهم البغيظة من معاناة الشعب الفلسطيني وآلامه، حيث تجوب دوريات جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية المدن والبلدات الفلسطينية، تقتحم البيوت والمنازل، وتعتقل مئات الشبان من بيوتهم، وتطلق النار على من يعترض طريقهم، أو يصد عدوانهم، أو يقاوم جنودهم، كما تطلق النار على من تشتبه في حركته وتغتاظ من هيئته، ولا يروق لها وجوده في بلدته.
لا تتوقف الإزعاجات الإسرائيلية واعتداءات الاحتلال اليومية على جرائم الاجتياح والقتل والاعتقال، والحصار والإغلاق والتضييق، رغم قسوتها ومرارتها، وعنفها المفرط وتكرارها الدائم، بل امتدت كما كل عام إلى محاولات اقتحام باحات المسجد الأقصى المبارك، وممارسة طقوسهم الدينية في رحابه، ويهددون هذا العام بذبح القرابين في المسجد، وإحياء العادات اليهودية القديمة، وقد أعدوا لهذه الجريمة عدتها، واستعد لها أحبارهم وغلاة مستوطنيهم، وأعلنوا عن جوائز قيمة لمن يحاول أن يذبح “سخلاً” في باحات المسجد الأقصى، ومكافأةً أكبر بكثير لمن ينجح في مهمته ويتمها وفق الأصول الدينية اليهودية.
يكذب الإسرائيليون عندما يدعي رئيس كيانهم يتسحاق هيرتزوج، أو رئيس حكومتهم نفتالي بينت وغيرهما، أنهم أصدروا أوامرهم للشرطة في مدينة القدس، للعمل على وقف اقتحامات المسجد الأقصى، ومنع المتطرفين اليهود من الدخول إليه وتنفيذ وعودهم فيه، ذلك أن الحكومة الإسرائيلية ورئيسها هم من شجعوا المستوطنين على جرائمهم، وهم من سمحوا لهم باستخدام القوة والأسلحة النارية ضد الفلسطينيين بحجة الدفاع عن النفس، وهي الحكومة التي سهلت قيام عضو الكنيسيت إيتمار بن غفير باقتحام المسجد بمرافقة المئات من عناصر الجيش والشرطة.
ومن قبل صادقت محكمتهم العليا وغيرها على حق اليهود بالصلاة في المسجد الأقصى، وممارسة طقوسهم الدينية فيه، وعدم جواز منع من يرغب من الدخول إليه والصلاة فيه، علماً أنهم يمنعون الفلسطينيين ويحرمونهم من الصلاة فيه، ويضيقون على سكان القدس وأهلها وهم جيران الحرم وأهله، الأمر الذي من شأنه أن يفاقم الأوضاع سوءً، وأن يزيد من حالة التوتر والاحتقان التي يخلقها الإسرائيليون في أعيادهم، التي يدعون أنها أعياد سلامٍ ومحبةٍ، وأنها أيام خيرٍ وبركة، والحقيقة أنها أيام دماء مجازرٍ، ومناسبات قتلٍ وتعذيبٍ، وطقوسُ خرابٍ ودمارٍ.
يخطئ الإسرائيليون إذا ظنوا أنهم يستطيعون أن يمرروا بالقتل والدم، وبالاعتقال والقيد، وبالممارسات القمعية والإجراءات العسكرية، مخططاتهم الدينية وأحلامهم التلمودية، معتقدين أن الظرف الدولي يخدمهم والصمت العربي يشجعهم، فالفلسطينيون الذين يعيشون شهر رمضان المبارك، ويحيون مناسباته العظيمة وانتصاراته التاريخية، لا أظنهم يسكتون على محاولات الاحتلال الخبيثة، وإن تلبست بلبوسٍ دينيٍ، وتظاهرت بطقوسٍ تعبدية، وما تشهده أرضنا الفلسطينية من ثورة غضب وبركان نارٍ، وانتفاضةٍ عامةٍ شملت كل المناطق، وتنذر بانفجار الأرض ووحدة الجبهات، لهو أبلغ رسالةٍ إلى العدو وغيره، أن أحلامه ليست إلا أضغاثاً، ومخططاته ليست إلا سراباً، وغداً يسمع ويرى.