شهر الله الكريم فرصة لا تعوَّض للتغيير في كُـلّ جوانب حياتنا
بقلم/ نبيل بن جبل
{يأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
رمضان كلمة من خمسة أحرف اتسعت حروفها لتستوعب “القرآن والصيام والجهاد والإحسان والصبر” وتبعث منها في أفئدة المؤمنين وأرواحهم مشاعر حية تنبض مع نبض قلوبهم، وتخفق مع خفقانها، وتنقلهم من عالمهم الحسي الراكد إلى عالم قلوبهم وأرواحهم الممدود فوق الكون.. الحياة.. والأحياء لتتصل بخالقهم العظيم، فيه أَيَّـام صفاء تهلل سكينة وروحانية ورحمة بعد غياب دام لـ 11شهراً يهل علينا الضيف الكريم ويجب أن نكرمه ونعطيه حقه ونلتزم بأداء واجباته ولنجعل منه سبباً للعودة الصادقة إلى الله (سبحانه وتعالى) لكي نحظى برضوان الله ونفوز بجنته التي هي دار القرار، ويجب أن نستفيد من لآلئه بهدى الله والثقافة القرآنية وَنغتنم هديته وفرصته ونقتبس من هديه ونتلقى خيره.
إنما هو ساعات قلائل ماضية فلا نضيعها فنندم، حَيثُ لا يفع الندم ولا تغني الحسرات فالساعة منه في طاعة ومعروف بدهر كامل مما في سواه، والنفس الواحد الممزوج بالإخلاص لله في رحابه تعدل أزماناً طويلة من أَيَّـام الدهر التي يتقلب فيها العباد بين التيه والغفلة ويموجون فيها بين الزيغ والضلال وما أيسر الفوز بفردوس الجنان إذَا اهتمينا به لنبني أنفسنا على أَسَاس صحيح فَـإنَّه ضيف من عند الله يهل علينا في كُـلّ عام مرة لنتزود منه بهدى الله ونشتد به بتأييد الله ليوفقنا في الدنيا والآخرة، فلنغتنمه بالاهتمام بالبرنامج الرمضاني وحسن الاستماع لمحاضرات السيد القائد والاستفادة منها وفي طاعة الله نربح بالنصر والتمكين والخير والصلاح والفلاح ولا نضيع ساعاته فنخسره أَيْـضاً.
يجب علينا استشعار الخوف الدائم من الوقوع في سخط الله استشعار رقابة الله باستمرار والحذر من التقصير، وما أحوجنا نحن المسلمين إلى تقييم أنفسنا، ومراجعتها في هذا الشهر الكريم؛ لكي نعرف مستوى تفاعلنا مع هدى الله، وفي شهر رمضان المبارك بالذات مع سماع المحاضرات التي يلقيها: السيد القائد باستمرار، والبرنامج الرمضاني ومع قراءة القرآن وتدبر آياته والتفرغ لعبادة الله فيه يمكن للواحد أن يعوض ما فاته من التقصير، ويبدأ مرحلة جديدة من العودة والإنابة والتوبة والرجوع إلى الله بصدق وعمل وجد.
عندما نعود إلى كتاب الله ونستشعر التقصير في جنب الله ونعمل مخلصين له الدين نخاف منه، من جبروته، من عذابه، من ناره، نخاف من يوم الحساب والعقاب يوم لا ينفع المعذرة والندم وَالأسف، عندما نستشعر رقابة الله (سبحانه وتعالى) المباشرة علينا: “يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ”، “وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ”.
عندما نستشعر أن الله أقرب إلينا من حبل الوريد وأن سمعنا وأبصارنا وجلودنا وجميع حواسنا ستشهد علينا يوم القيامة، حينها ستستكمل أنفسنا فضائلها، وتكتسي أرواحنا بطهر الدين، وتتألق عقولنا بثقافة ونور القرآن، وَيسطع القلب بنور الهدى ويخشع لله، ويتقرب منه، وحينها يتحول الإنسان إلى قيمة من الجمال ويكون مؤدياً للغاية التي خُلق؛ مِن أجلِها وهي خلافة الله في أرضه ونصرة دينه ومواجهة أعدائه، وَنصبح بمبادئ وأخلاق وقيم القرآن سراً من أسرار الفضيلة، ونغدو ذوي قيمة في معالم الخير، نجاهد في سبيل الله ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ونستكمل عزتنا وكرامتنا، وَسيسود الحق إذَا عدنا لكتاب الله؛ لأَنَّنا أدينا الأمانة على أكمل وجه، فإذا تحَرّكنا تحَرّكت معنا نسائم الخير والصلاح والفلاح والعدل والحق كأننا آية بديعة من آيات الله في صفحة كونه العظيم، وما تجرعت الأُمَّــة الصاب علقماً وَاحتست السم زعافاً والإذلال والقهر والاستبداد من أعدائها إلّا بسَببِ الغفلة والتفريط والتقصير بهذه المبادئ المهمة، فهل يستغرب ما وقع لها من خسران وتراجع وإذلال وما أحاط بها من دمار وما لحق بها من خزي وعار والله يقول فيها:
“كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ”؟
الواقع يشهد أن عدل الله سار بحكمة مطلقة في كونه العظيم، وأن كُـلّ ما وقع لها من مآس وحروب وقهر حق وجب عليها أن تراه، وحقيقة حري بها أن تفهمها، فهي خيرية مشروطة بما بعدها مكفولة من الله إن هي حفظت عهدها: “تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ”، وتخافون منه ومن تقصيركم تجاهه.
رمضان فرصة كبيرة للتغيير وهو شهر الغزوات والانتصارات والفتوحات، ولو صدقنا مع الله ونفرنا بالشكل المطلوب لفتح الله لنا ليس فقط اليمن ولا البلدان العربية وحسب بل بلدان أُخرى؛ لأَنَّ مشروعنا هو الحق وما دونه الباطل وسنكون جديرين بمعية الله لنا وهو القاهر فوق عباده وهو من بيده ملكوت كُـلّ شيء، الحق ليس لديه وقت للصراع فالحق إذَا حضر بالشكل الذي يليق به يدمغ الباطل دمغاً يزهقه والباطل بطبيعته يزهق لا يثبت، فلنستفيد من شهر الله في كُـلّ جوانب حياتنا.