أسئلة مؤلمة لكنها مجدية?
كثرت تسميات بلادنا? من أوروك إلى بلاد مابين النهرين ( ميزوبوتاميا ) وبلاد النهرين أو الرافدين وحتى ارض السواد? واختلفت الشعوب فيها وكثرت الأعراق والمذاهب والأديان? وتداخلت الأقوام وتطاحنت? فسادت أقوام على أقوام وأديان على أديان? وتحول أسياد إلى عبيد وعبيد إلى أسياد? لكنه العراق بقى عراق? وما أبيدت منه ملة أو قوم? وما سادت حتى النهاية ثلة أو عصبة من عرق أو مذهب? فبقى العراق كرديا وعربيا وتركمانيا وآشوريا? مسلما ومسيحيا وايزيديا ومندائيا? سنيا وشيعيا.
خلال قرون غرقت أرض العراق بطوفانات من الدماء والدموع? بحيث لم يبق?ِ متر واحد من أديم العراق من أقصى كوردستان وحتى أقصى البصرة دونما أن تحتضن تربته رفات عراقيين أو غيرهم من الأقوام? التي سادت ثم رحلت! فقد جبلت أرض العراق شمالا وجنوبا شرقا وغربا بأجساد الملايين من البشر الذين ابتلعتهم حروب ومعارك? تصارعت فيها أقوام وأجناس? ديانات ومذاهب? أمراء وملوك ورؤساء? وكانت الشعوب دائما وقود تلك الحروب وأوارها.
وعبر مئات السنين من دوامة الحروب والتصارع الدموي بين الأقوام والمذاهب ومن ثم الانقلابات والثورات البيضاء والملونة من أجل التفرد بالحكم والسيادة على الآخرين حتى إذا استدعى ذلك إبادة نصف السكان? وما حصل في تاريخ العراق من مذابح وتصفيات منذ مذبحة الحسين وحتى جز الرقاب في أيامنا هذه مرورا? بهولاكو الذي يبدو متواضعا وفارسا عسكريا أمام ما فعلته ( قواتنا البطلة ) في معارك الأنفال المقدسة في كوردستان? حيث ( أبادة قواتنا المسلحة الباسلة ) مئات الآلاف من الأطفال المجرمين والنساء المرتدات والرجال الخونة وآلاف القرى التي أزيلت من على سطح الأرض بما فيها? وما أنجزته ( قوات الحرس الجمهوري البطلة ) من بطولات ( مشرفة ) في إبادة الآلاف من ( الغوغاء ورموز صفحة الخيانة والغدر ) في الجنوب والوسط? وما خلفت تلك ( المعارك العظيمة ) من مئات الآلاف من الأرامل والثكالى وربما ملايين الأيتام والمعاقين في العقل والجسد? حتى انتهى بنا الحال إلى ما يحدث اليوم من ترجمة لثقافة سادت عشرات إن لم تكن مئات السنين من القسوة والظلم والحقد الأسود الذي تجلى فيما يحدث اليوم من مذابح وتهجير وتطهير عرقي ومذهبي مقيت? زرعته تلك الأنظمة البائسة وسكتنا عليه عقودا وعقود? لينفجر اليوم ويتحول إلى ممارسة يومية في كل مدينة وقرية وبلدة.
وبصرف النظر عما حدث في نيسان 2003 من تحرير أو احتلال أو زلزال فأنه أسقط فعليا النظام الإداري الذي كان يقود بشكل رسمي هذا النمط من الثقافة بمؤسسات عسكرية وشبه عسكرية وسياسية إلا انه – أي هذا الحدث – لم ينه? جذور تلك الثقافة وممارساتها في واقع المجتمع وعلاقاته? فهو موروث متكلس في ذهنية وتفكير وسلوك قطاعات واسعة من الذين مارسوا تلك الثقافة أو أدمنوها أو تعبقوا بها طوال أجيال وحقب كانوا فيها أسياد الدولة وسدنتها.
إن اتهام الرئيس السابق صدام حسين لوحده بهذه الثقافة وممارساتها عبر أربعين عاما هو تقزيم وتسطيح لما نعاني منه في مجتمعاتنا? فلا يعقل أن يكون صدام حسين لوحده دكتاتورا قد ( أنجز) كل تلك ( الانتصارات ) وإن كانت بأوامره? فقد أبدعت قوافل واجيال من العسكريين والمدنيين والحزبيين في مختلف المستويات على انتهاج ذات السلوك وتقليد صاحبها بل ربما تجاوزه ايضا?
ودعونا نتساءل بألم? علنا نهتدي إلى صواب?ُ يقينا مآسي ما تخبؤه الأيام:
كم كنا خانعين ومستكينين أو ربما راضين أم رافضين بحياء أو بأضعف الأيمان طيلة أربعين عاما?ٍ?
كم واحد منا اعترض ورفض أن يشارك في معارك( الشمال ) منذ 1961 وحتى 1991 مقارنة مع الذين شاركوا?
كم منا اعترض أو رفض أن يشارك في معارك ( الأنفال ) من مجموع من شاركوا?
كم منا رفض أن يساهم في مجازر الجنوب والوسط من مجموع من شاركوا?
كم طبيب رفض أو أعترض على أن يأمر بإطلاق طلقة الرحمة على آلاف الضحايا من مجموعهم? أو رفض التوقيع على شهادة وفاة المئات جراء التعذيب?
وكم قاض?ُ رفض حكما من أحكامهم وقوانينهم?
وكم معلم ومدرس وأستاذ رفض تثقيفهم وأفكارهم ونظرياتهم من مجموع هذه الشريحة?
وكم وكم… وتكثر الأسئلة ويتورم الألم? ثم نسأل لماذا يحدث كل هذا في العراق?
ألم تكن قواتنا المسلحة التي نفذت كل هذه المعارك ( ببطولة نادرة ) من أكبر جيوش المنطقة?
هل بقيت عائلة عراقية واحدة دون أن يكون لها إبن أو أب أو أخ في هذه القوات? وشارك في معاركها بأي شكل من الإشكال?
وإذا استثنينا مما ذكرنا? الذين رفضوا عن وعي وإيمان وتحملوا مغبة رفضهم? إعداما أو سجنا أو نفيا? مما ارتكب بحق العراق وشعوبه آنذاك? وهم قلة للأسف الشديد ) ولا تخضع للقياس العام? فسنرى فداحة الحال وما آلت إليه الأحوال?
إنها عقود وحقب من الخنوع والاستكانة والذاتية والقبول بظلم الآخرين? وتاريخ من حزن ومأساة الترمل والتيتم والنفي والت