بلح الليل
… والغرفة المظلمة تجري لمستقر لها ???..
كما الغبار والدوار تتسكع أوراقه بين دفاتره المبعثرة بمحاذاة نافذة غرفته الصغيرة المطلة على شارع الأهوال ?ف?َتات مذكرة تخرجه وبقايا أيامه الشاحبة تقبع صاغرة على طاولة اعتراها التحلل كمادة كيميائية عفنة ? تشكو ربها ? تتوحد لباريها من هرم اكتسحها ? يحدق فيها في شفقة ومؤازرة قبل أن يمسح شعره الأشعث بمنديل فقد لونه من كثرة الاستعمال والرطوبة ? ثم يمرر يده الهزيلة على وجهه الهزيل وعلى أجزاء من طاولته ? يتلمس بعض الأوراق ? تتفتت بين أصابعه كحطام أوراق هشة أو كعصف ماكول ? يأكل أظافره أكلا لم?ا ?ِ? يسحب نفسا من سيجارته النصف ميتة ? الجاثمة على مطفأة مهترئة مصفرة كأوراق الخريف ? لم ينفضها مند أمد? تتزاحم بها بقايا سجائر وبقايا دقائق وأزمنة تبعث زئيرا لا ينتهي كأنه دولب لا يتوقف بأحد المصانع الميكانيكية ?لا يصعق المسؤولين بقدر ما يصم أذان العمال والطبقة الكادحة ?ونصف ديوان شعري لم يفهرسه بعد ?كأنها طوابير ورى تنتظر خبزا أمام مخبزة لم يعجن بها الخبر بعد .الشاب ” أمين “حامل دكتوراه في الاقتصاد والتخطيط لم يلتحق بعد بعمله بالمخبزة ? والساعة بمعصمه تنذر باقتراب وقت أذان الصبح ?موعد التحاقه بها ? جماعات بشارع الأهوال قد تتربص به ? في محاولة لاقتناصه ?هكذا يتخيل ? لأنه كتب موضوعا بإحدى الصحف اليومية ينتقد فيه مرحلة لم ترق أفكاره واديولوجيته اليسارية ? فقط عمي مسعود ” العجان ” بالمخبزة ? والذي يفترش ألأكياس الفارغة ويبيت بإحدى أقبيتها متواجد بها منذ السابعة مساء من ليلة البارحة ? وقد اقتنى كعادته “عشاءه” ( خبز ملفوف في قطعة جريدة تطل منها أخبار جارحة ومحرجة )بها أكلة متواضعة ( بطاطا ? طماطم ? بصل وبقايا فلفل شاحب ).دون أن ينسى زاده من السجائر وقنينة خمر .. ومع هذا تلجه السعادة من كل صوب وحدب وتغمره ? يحمد الله ليل نهار على هذه النعمة التي لا تضاهيها نعم أخرى ?وقد تملص عدة مرات من كمائنهم .لأنه كان يعمل هو الآخر بإحدى
المخابز التي كانت تمو?ن إحدى الثكنات العسكرية بالخبز .
عنوسة الليلة المظلمة تقاضي بالآهات الغرفة المظلمة بالهستيريا وبقايا ضباب فجر الغد الذي يحجبه عنه ليتسلل إلى المخبزة قبل أن يرفع أذان الصبح من الزقاق الضيق المحاذي ل” حانوت ” عمي الجيلالي الذي يدعو “لأمين ” كل صباح بالسلامة ? قبل أن يمنحنه تأشيرة المرور إليها بعد أن يطمئنه على سلامة المسلك.
يلتحق ” أمين ” مع طلائع الفجر بعمله ? مضرجا بالأرق .
يلتحف خوفه المسجى على تابوت خطواته ? يهلوس مثلما تهلوس الأصداء بغرفته المظلمة العانسة
:” عاشر الغرفة المظلمة بمعروف أو طل?قها بمعروف ” همس?َ يتناهى إليه من غور مشاعره ? ومن خطواته المتثاقلة ? :” بل عاشر هستيريا الأيام بمكروه أو طلقها بإحسان “.يرد وهو يغمغم .
وصبح?َ تواق?ْ?ْ إلى ….
والصبح يجري لمستقر له ???
دحرجت سويعات الصباح غسق الليل ? كمن يدحرج هموما عالقة لا تأبى الانزياح ? تداولت على جبين ” أمين ” أسرابا من ” السراب ” تحط على جبينه كما تحط العصافير فرحها وأملها على ” الكوابل الكهربائية ” مرتفعة الضغط ? كوابله تلتحم بمكوك بمخيخه الذي يوزع ” القرارات ” على باقي أعضائه ? يقف مذهولا أمام رافد أفكاره ? يوزع ” مخيالا ” لصورة شعرية تأتيه فجأة فيطردها ? ثم سرعان ما يجذب وريقة من جيبه ? فيسجلها حتى لا تندثر من مثل بقايا تبن في بيدر ? تغزو وجنيتيه قشعريرة ? تعكسها أشعة الشفق بين مطلع جفنيه وبقايا أديم وجهه التواق إلى يوم لا مكروه فيه .
ينزلق من هذا ” الأرق النهاري ” فيمتطي هذيانا يزوره عابرا ? يمتطي صهوته ? فيما تتسرب إليه في زيارة خافتة ” خاطفة ? موجعة صورة شعرية أخرى تتزاحم بمخيلته هذه المرة فتنتشله منه هذا الأرق ? يقرفص بأحد أكياس الدقيق بالقبو الخلفي للمخبزة ? حيث يرقد جسده النحيف ? يلتحف غبار الكيس ? العجين المعجون يقبع على حاويات صغيرة ليزف إلى الفرن قربانا ليبعث “خبزا” ? كان يتراءى له كيهود ألمانيا وهم يزفون إلى السعير ? أو كوابل قذائف يسقط على رؤوس ألأطفال وهم يلعبون بأحد المخيمات المحاصرة ?كما كان يبدو له تماما كنظرية داروين في التطور . ألجمه ” ولعه ” ووله ” ب”الخبز الحافي ” لمحمد شكري .
على مجداف نبرته المبحوحة هدير مشاعر يستحضر تيارا فكريا تجره خيولا تخرج لتوها من أحد القصور الارستقراطية بأوربا العهود البرجوازية .. تجر عالما طفوليا سي?ج عربات تجرها خيولا لاهثة بمدخل أحد الأسواق الشعبية ? تنخره دقائقها وتفاصيلها ? يقترض حقبة طفولية زاهية من حقبة جارفة ? تعسة ? يقايضها بالعرق والسراب المرتسم على جبينه لوحة سرمدية في صحراء تسب?ح لباريها ? وهي تستجير من يوم قائظ يطوقها ? وقد يخنقها ??? يمحو أثار نكسته الزمكانية ? والصبح يجري دوما لمستقره ,
يستأجر ” أمين ” خياله ليوم قد يحصل فيه مكروه , هو ذا تخمينه وهو يثب كأرنب من أجس