السعودية والثلاثي المسلح
بلا شك دخل الصف الاول في القيادة السعودية من ابناء المؤسس عبد العزيز مرحلة الافول? بعد وفاة ولي العهد سلطان ومن ثم نايف وتقدم السن الذي يعاني منه الملك عبدالله وولي العهد الحالي سلمان وبقية ابناء الاسرة الذين عاصروا والدهم. والمشكلة ليست في العمر لكنها تبدو مرتبطة بحالة شلل فكري وغياب رؤية تنتشل المملكة من السكون وانعدام الديناميكية الضرورية للقيادة? خاصة في مرحلة حرجة تمر بها المنطقة العربية? حيث تأصلت قيادة الشعوب وتقرير مصيرها بعيدا عن المشاريع الفوقية الهادفة الى تلميع بنية الاستبداد السياسي بعمليات جراحية تجميلية تحسن صورته دون تغير معادلة اقصاء الشعب واستمرارية الفساد والسرية.
وفي ظل هذه المرحلة نمت طبقة بيروقراطية متصلة بالسلطة تدير الشأن المحلي وتزداد قوة كلما عجزت القيادة عن ان تمسك بزمام الامور وتدير دفة الحكم? فانتفعت هذه الطبقة من غياب الرؤوس القيادية لتفرض هيمنتها على مفاصل الدولة الاستراتيجية والاقتصادية والاجتماعية.
وتبقى هذه الطبقة معتمدة على قربها من رؤوس الحكم المنشغلين بتدبير امور بيتهم الداخلية? فتنمو وتكبر كلما زاد انشغال القيادة بأمور توزيع الحصص السياسية والحفاظ على التوازنات الاسرية من مخاطر امواج عاتية وطموحات كبيرة للجيل الثاني من ابناء المؤسس. ويبدو ان مستقبل السعودية على مستوى القيادة سيحدده هذا الجيل? خاصة ما اسميه هنا الثلاثي المسلح المكون من محمد بن نايف المناط به ادارة الامن الداخلي من قوات على الارض واجهزة استخبارية خلف الكواليس. ومتعب بن عبدالله رئيس الحرس الوطني صاحب العمق القبلي? وخالد بن سلطان صاحب القاعدة العسكرية. وقد توارث هؤلاء ثلاثية الامن عن أبائهم وتمركزوا في مفاصل مهمة وحساسة ستكون حاسمة في المستقبل القريب. وبما ان حسم المعركة القيادية بين هؤلاء سيكون صعبا وعسيرا? خاصة ان لكل منهم قاعدة عسكرية امنية استخباراتية مهمة? يجعلنا نعتقد ان العرش السعودي في المرحلة القريبة سيقوم على تثبيت مواقع الثلاثي المسلح الذي يحتاج الى ملك توافقي ضعيف يثبت كلا منهم في موقعه الحالي? دون ان يستطيع حسم المعركة لصالح فريق على حساب فريق آخر? مما يمهد لمرحلة الملكية التوافقية? الذي يتحول فيها الملك ذاته الى صورة تستغل للاستهلاك الاعلامي كأب عجوز يجلس على العرش له رمزية الوحدة التي تخفي احتقان الثلاثي المسلح وتكبح جماح رغبته في حسم المعركة لصالحه وحده. بروز الثلاثي المسلح نتيجة حتمية لسياسة المملكة في فترة الخمسينات? عندما تطورت مؤسسات الدولة العسكرية في فترة حرجة قديمة? وجدت القيادة حينها نفسها في عين عواصف عربية محركها الاول ليس الشعب كما هو الحال الآن? بل المؤسسات العسكرية عن طريق الانقلابات المتتالية كما حدث في العراق وسورية ومصر وليبيا? حيث برزت هذه القيادات تحت ضغط الاستعمار وحركات التحرر? ومن ثم اندثرت بعد نصف قرن. اضطرت السعودية لانشاء منظومة عسكرية مشتتة ومتفرقة ومتعددة الاجهزة لتتجنب خطر الانقلابات العسكرية? التي وصلت الى حدودها عام 1969 بالقبض على اول خلية عسكرية انقلابية انبثقت من سلاح الطيران? فاتجهت السعودية نحو انشاء تعددية عسكرية امنية واناطت مهمة قيادتها الى امراء متعددين تتوزع عليهم مهام الامن الداخلي والخارجي? دون ان تكون لها هوية مؤسساتية موحدة قوية تجعلها خطرا على أمن النظام واستمراريته. ويكون لكل منها جيشه الخاص الذي يدين بالولاء لشخص هذا الامير او ذاك? ويستلم منه المكافأة على الولاء الشخصي. فارتبطت جماهير كبيرة منتفعة بالمؤسسة الامنية العسكرية ونمت هويتها على حساب هوية جيش موحد قوي يكون ولاؤه للوطن والدفاع عنه فخلقت القيادة اجهزة امنية مفككة تتنافس فيما بينها من اجل تحقيق توازن يجعلها تخاف من بعضها البعض وتضعف وحدتها المتكاملة التي استبدلت بولائها المطلق للشخص المسؤول عنها? فأصبحت تدور بفلكه وتدين له بكل ما تملك على حساب تبلور مؤسسة عسكرية لها هويتها الخاصة كمؤسسة مستقلة عن الاشخاص القياديين.
من هنا برز الثلاثي المسلح كمؤسسات متفرقة مستقلة عن الوطن ومرتبطة مباشرة بشخص المسؤول عنها.
وتسابق هؤلاء في تسليح كتائبهم من خزينة الدولة وتقوية قاعدتهم الشعبية واستوردوا المعدات العسكرية والتقنية التي تضمن تفوق فصائلهم على الاجهزة الاخرى. وساعدت ظروف العقود السابقة منذ حرب الخليج عام 1991 على تقوية جناح خالد بن سلطان العسكري وبعدها تدخله في القضية الحوثية اليمنية? على الرغم من علامات الاستفهام الكبيرة حول اداء جهازه العسكري على بروز نجمه كمقاتل صحراوي اسميا ورمزيا? دون ان تكون الانجازات على الارض واضحة وحاسمة. اما محمد بن نايف فقد أسعفته الحرب على الارهاب ليبرز كمحور مفصلي في مجال الامن الداخلي? رغم ان نجاحاته المعلنة وبرامج المناصحة المشبوهة نجحت فقط في طرد عناصر القاعدة الى اليمن واختفاء مظاهرها وأعمالها في السعودية? رغم حراكها الخفي الذي قد يظهر على السطح عند اقرب فرصة.
وبتو