الشهيدُ القائد.. بينَ المذاهب والمنهج القرآني العظيم
بقلم/رقية المعافى
لما بعثَ اللهُ سبحانه وتعالى سيدنا محمداً -صلى الله عليه وآله وسلم- وحّدَ الأُمَّــةَ جمعاءَ تحت مسمى المسلمين وحكمهم تحت مشروعٍ موّحد هو كتابُ الله عز وجل، لكنّ أعداء الدين الذين يتربصون به عملوا على نزع الخلافات والمسائل الدينية المتعددة منذ ما يقارب ألف عام، فما إن برزَ علماء الدين واللغة والفقه والأدب حتى برزت التقسيمات والمدارس الكثيرة وكان الدافع لهذه التقسيمات أغراض سياسية تعمل على تشتيت انتباه المجتمع عن أهم القضايا وجذبها للتجادل مع المذهب الآخر والفكر الآخر، فالخروج عن الحاكم الظالم في الفكر الوهَّـابي محرّم حتى وإن قصم ظهرك تجدهُ في مذهبٍ آخرَ واجباً وضرورياً.
ظلت هذه التقسيمات متوارثة والمذاهب متناقلة واستغل أعداء الإسلام من اليهود والنصارى ذلك فعملوا على غرس النزاعات والخلافات والاختلافات حتى بات كُـلّ طرف ومذهب وطائفة يعمل على تأليف الكتب والمجلدات إثباتاً بأنهُ الأصحّ ويدعم ذلك بآيات قرآنية وأحاديث نبوية، إلا أنهم غفلوا عن ما يلحقُ بعامة المسلمين من ظلم وسلبٍ للحقوق وانتشار للفساد والمنكرات، وما السبيلُ الأمثل لحلّ ذلك؟.
أما الدعاة والعلماء فجُلّ خطاباتهم ومؤلفاتهم تدعو الإنسان إلى اتباع القيم الأخلاقية والاهتمام بالعبادات والواجبات ونهيهم عن المُنكرات ويُنهون كُـلّ ذلك بسيلٍ من الدعوات على أعداء الدين والأمَّة جمعاء وتحرير الأقصى من أيدي الاحتلال دون ذكر الوسيلة لتحقيق ذلك.
الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، رأى أمته الإسلامية في حال من التفرقة والاختلافات واللهث وراء متاع الدنيا والمشاحنات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وظهور الفساد في البرّ والبحر وتسلّط وتحكّم أعداء الله بأمور الأُمَّــة وتسيير شعوبها وأنظمتها كيفما شاءوا، وإثارة النزاعات الدينية حتى وصلوا إلى التشكيك بالدين الإسلامي ورموزه العظيمة، كُـلّ ذلك عبر مذاهب مدفوعة ومغروسة في عُمق الأُمَّــة الإسلامية؛ ولأنهم بكل إمْكَاناتهم لم يستطيعوا المساس بقدسية وعظمة كتاب الله القرآن الكريم وتحريفه إلا أنهم استطاعوا تجميده في عقول المسلمين فأصبح كتاباً للحفظ والتلاوة والتجويد وتلاوته في مقدمة الاحتفالات والمناسبات الدينية، وإقامة المسابقات بحفظه وحفظ رقم الآية والصفحة والسطر دون التأثر به نفسياً وعمليًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعياً.
لفترة من الزمن غُيّب مفهوم أن القرآن الكريم كتاب عمل ومنهج حياة وقوة وعزة وحصانة من الأعداء على كُـلّ المستويات، عمل الأعداء من اليهود والنصارى على تكريس هذه الفكرة وإثارة اهتمامات وموضوعات ثانوية للاهتمام بها.
فبدلاً من دراسة القرآن وتحليله وفهمه وإدراكه وفهم أبعادهِ تحول الاهتمام إلى مجالات أُخرى تبني الحياة والمستقبل.. وأصبح القرآن فقط (للمطوعين) وَ(المتدينين) وكأن البقية لا يعنيهم هذا الأمر، وتم فصله عن السياسة حتى بات الخطاب السياسي يخلو تماماً من الاستشهاد بأية آيةٍ قرآنية.
جاءت حركةُ الشهيد القائد -سلام الله عليه- التي تنطلقُ من كتاب الله قولاً وعملاً لتُحيي في الأُمَّــة الإسلامية ما كاد أن يموت في روحها ونفسها، وتوجّـه البوصلة إليه، وتعرّف المسلمين عامة أن بأيديهم سلاحاً قوياً وقوة عظمى لا يهزمها أحد في الكرة الأرضية.
فأزالت عن العقول الجمودَ المترسِّخ، والأفكارَ الهدامة، والنظرات الحاقدة، والانقسامات اللامحمودة.
هذا النهج القرآني الذي أنارَ البصيرة المأسورة في سجونِ الدنيا فبها يجب أن تُجاهد أعداء الله تنفيذاً عمليًّا لقولهِ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
وأمر صريح بعدم موالاة اليهود في حين أن حكام العرب باتوا يقفون جنباً إلى جنب مع أعداء الله ويضعون أيديهم بأيدي من حاربوا الله ورسوله وكأنهم لا يقرأون كلامه وأمره عز وجل: “يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا اليَهُودَ والنَّصارى أوْلِياءَ بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ”.
ظنّت المجتمعات والشعوب أن القوة للولايات المتحدة الأمريكية ونسوا أن القوة والعزة لله الذي قال: “أَنَّ الْقُوَّةَ للّه جَمِيعًا” وغفلوا عن قوله: “وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ”.
لقد تحَرّك الشهيد القائد وفقاً لمنهج حياة متكامل شامل لا ينقصهُ شيء ولا يتعداهُ عيب ولا تخفى عليه خافية، فيه أُمرنا بالتوحد والتمسّك بالله والثقةِ به ومحاربة أعدائه، وهو الغطاء الأمثل والقوة الوحيدة لجمع المسلمين تحت إطاره وبالتالي محاربة عدو الإسلام والمسلمين، فعند القرآن تسقط كُـلّ الاختلافات والمذاهب والطوائف وتتجلى كلمات الله وأوامرهُ وتحذيراته.
ولأن الشهيد القائد اتخذَ القرآن الكريم سلاحاً يتحَرّك به ويواجه به المتغيّرات والانحرافات، يُفنّدُ به الأكاذيب والافتراءات جُنّ جنون الأعداء من اليهود والنصارى والأعراب فهم يُدركون تماماً أن هذا النهج القرآني وحده من سيزيلهم من الوجود وأنه ذاتُ السلاح الذي تمسّك به وسارَ عليه سيدُ البشرية محمد وآل بيتهِ صلوات الله عليهم أجمعين.
الشهيدُ القائد بحركتهِ التحرّرية القرآنية -والأمَّة بحاجة ماسة لهكذا نهج تسير عليه، نهج يحرّر العقول الجامدة ويحرك القوى الخامدة، نهجٌ يبدد الظلم والفساد ويزيل الضَعف والركود والاستسلام والخنوع- قدّم روحهُ ثمناً لهذا النهج، وعملَ تطبيقًا لقولهِ تعالى: “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ”.
هو لم يأتِ بجديد ولم ينجر خلف المذاهب والطوائف المتعددة إنما اختارَ طريقاً واحداً بيّناً سلكهُ الأنبياء والأولياء والشهداء فالسلامُ عليهِ وعلى من اتبعَهُ سلامٌ سلام.