آفاقُ ثورتي 11 فبراير و21 سبتمبر
بقلم/منصور البكالي
لكل ثورة شعبيّة أسبابٌ ومقوماتٌ تدفعُ الشعوبَ للتحَرُّك العفوي بالطرق السلمية أَو العنيفة، وتسعى من خلالها لإسقاط الظلم والاستبداد، وتوزيع الثروة بعدالة بين أبناء الشعب وتوفير العيش الكريم والحرية والاستقلال عن الوَصاية والتبعية للخارج.
وبتحقّق المطالب الشعبيّة من عدمها، تعتبر الثورات ناجحة أَو فاشلة، وتتطلب الانتقالَ الشعبي لتحَرّك ثوري آخر كما حدث في نموذج الثورة اليمنية حين تحَرّك الشعب في 11 فبراير 2011م، بالملايين ومن جميع المكونات السياسية والمذهبية ومن مختلف الفئات العمرية والاجتماعية بشكل سلمية، وعفوي وشعبوي بالدرجة الأولى.
وما أن جاء الخارج وركب موجتها وحول بُوصلتها وحرك أذياله في الداخل عبر المبادرة الخليجية، أعاد الشعب اليمني ونضالاته إلى بداية الطريق الذي شقها بثورة 21 سبتمبر، تلك الثورة النظيفة والشعبيّة الصرفة التي لم تنطلق من أية سفارة ولم تستطع أية دولة معادية اختراقها.
التغلغل الخارجي في ثورة 11 فبراير مهّد الطريقَ لاستمرار الفعل الثوري والخيام والاعتصامات والمسيرات في العديد من الساحات وفي العديد من المحافظات حتى جاء صباح ثورة 21 سبتمبر المُستمرّة في مواجهة الغزاة والمحتلّين وتطهير مؤسّسات الدولة من عبث الفاسدين والمحقّقة لآمال الشعب وتطلعاته، دون إقصاء أَو تهميش لأي مكون وطني يقف اليوم في مواجهة العدوان الأمريكي السعوديّ على بلادنا.
ولتوضيح أكثر حول إخفاقات ثورة 11 فبراير، يجب أن نعرفَ أنه من عادات الثورات في أية دولة كانت أنها تنطلق بريئة فتتحَرّك بعدها أجهزة المخابرات المعادية لمحاولة حرفها واستغلالها وتوجيهها كما حدث في اليمن ومصر وغيرهما من الأقطار العربية في التي شهدت ثورات الربيع العربي، إلا أن كُـلّ تلك التحَرّكات الاستخباراتية فشلت في حرف ثورة 21 سبتمبر، وتمكّن الشعب اليمني من استعادة قراره السياسي المسلوب منذ عقود، ولم يعد بمقدور الخارج التأثير والتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، فوجدت أجهزةُ الاستخبارات المعادية وأدواتُها في صنعاء الطريقَ مسدودةً أمامها وأمام مخطّطاتها، ما أجبرها على المغادرة والفرار نحو الخارج، والإعداد لتحالف عدواني على الشعب اليمني مُستمرٍّ منذ سبعة أعوام وإلى اليوم.
وأمام تلك المحاولات نعتبر ثورة الحادي عشر من فبراير محطةَ عبور أخذت منها ثورة 21 سبتمبر الدروسَ والعبر التي ساهمت في شق طريقها نحو النجاح، حين فتحت المجالَ أمام كُـلّ المكونات السياسية للعمل المشترك ولم تقصِ أحداً، عبر مبادرة السلم والشراكة التي رحّبت بها كُـلّ الأطراف المحلية والإقليمية والدولية في وقتها، ما أغاظ دول الهيمنة الصهيو أمريكية ودفع بها لمغادرة صنعاء وخلق نوع من التصعيد والضغط الدولي تجاه الشعب اليمني، خشية من تكرار سيناريو إيران إبان ثورة الإمام الخميني.
بعد نجاح ثورة 21 سبتمبر لم تكن القيادة الثورية في صنعاء ممانعة لوجود أية سفارة أجنبية بل كانت مرحِّبة بأي تواجد دبلوماسي في إطار القانون واحترام السيادة الوطنية للشعب اليمني، لكن ذلك لم يرُق لهم ولم يتناسب مع مخطّطاتهم الاستعمارية في المنطقة، ما دفع الأعداء بالتألب على ثورة الشعب اليمني، والإيعاز للسفارات بالخروج من صنعاء، في حين كان التحضيرُ للعدوان على شعبنا اليمني ناجزاً ثم أُعلِن عنه من العاصمة الأمريكية واشنطن ليلة 26 مارس 2015، أي بعد ستة أشهر فقط.
وبإعادة النظر والتقييم لثورتي الحادي عشر من فبراير وثورة الحادي والعشرين من سبتمبر نلمس الآفاقَ الشعبيّة ناجزة للأخيرة، فيما أخفقت فبراير في تحقيق تطلعات الشعب، بل وفتح خاطفو تلك الثورة المجالَ أمام الخارج ليلعبَ كما يحلو له ويحاول تقسيمَ اليمن والاستمرار في نهب ثرواته والعمل على ديمومة الفاسدين والعملاء وبقائهم في حكم اليمن، وتنفيذ مخطّطات الأعداء، فكان أحرارُ شعبنا اليمني لهم ولأدواتهم بالمرصاد.