خلفيات الضربة الجديدة للإمارات: تصعيد عسكري قبل رسم ملامح مستقبل اليمن
بقلم/ علي عبادي
هذه ليست المرة الأولى التي تقوم بها القوات اليمنية بإطلاق مسيّرات أو صواريخ جوالة (كروز) على دولة الإمارات، لكنها بالتأكيد أكبر عملية من نوعها منذ بدء الحرب على اليمن في العام 2015. ضربُ أهداف نفطية وصناعية ومطاري أبو ظبي ودبي دفعة واحدة يؤشر الى رسالة قوية تريد القيادة اليمنية إيصالها الى دولة الإمارات التي تحاول إعادة ترتيب علاقاتها الإقليمية مع ايران وتركيا بعد سلسلة حروب وتدخلات خاضتها في دول عربية عدة وبعد مغامرة التطبيع مع العدو الصهيوني، لكنها لم تكفَّ عن مشروعها لتقسيم اليمن.
“الإعصار” و”العاصفة”: دلالات وظروف
يمكن النظر الى ما جرى في الإمارات يوم الإثنين من منظورين عسكري وسياسي:
الأول: المنظور العسكري. في هذا الصدد، يمكن الحديث عن نقطتين:
1- إن القيادة اليمنية لديها القدرة التسليحية الهامة التي تمكّنها من توجيه ضربات قاسية بعيدة المدى، حتى في ظل الحصار الخانق والطلعات الجوية التجسسية لقوى العدوان، وحتى بعد سلسلة من الغارات المدمرة على صنعاء ومحافظات أخرى بدعوى تدمير البنى التحتية للصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة. إذا تم وضع الضربة اليمنية المتعددة الأسلحة والأهداف في هذا السياق، يمكن أن نخمن كم ان القدرات اليمنية ما زالت متماسكة وصلبة وقادرة على صنع معادلة عسكرية يصعب تجاوزها. مع الإشارة الى أن المتحدث العسكري اليمني ذكر أنه يمكن توسيع بنك الأهداف في الإمارات على ضوء التطورات المقبلة. ولم يكن المتحدث ليطلق هذا التحذير لولا توفر القدرة على التنفيذ والإرادة للمضي في هذا الاتجاه. وكان المتحدث قد توجَّه قبل أيام قليلة الى الإمارات متوعدًا بتوجيه ضربات لها إن لم تكفّ عن تدخلاتها العسكرية في اليمن وسعيها لتقسيم هذا البلد. وهذا ما سيأتي الحديث عنه في سياق المنظور السياسي.
خلفيات الضربة الجديدة للإمارات: تصعيد عسكري قبل رسم ملامح مستقبل اليمن
2- في السياق العسكري أيضًا، جاءت عملية “إعصار اليمن” بعد تطورات هامة في الجنوب، وتحديدًا في محافظة شبوة حيث وضعت الإمارات ثقلها خلف قوات موالية لها في ما أطلق عليه اسم “عاصفة الجنوب” التي دفعت قوات أنصار الله للانسحاب من مديريتي عسيلان وبيحان وجزء من مديرية عين بمحاذاة محافظة مأرب من الجهة الجنوبية، بل ان القوات الموالية للإمارات وصلت الى مديرية حريب في مأرب الواقعة على طرف المحافظة الجنوبي. وهذه العملية التي جاءت بعد انكفاء طويل نسبيًا للإمارات عن قيادة الحرب في اليمن، من دون التوقف عن ممارسة العمليات الحربية، تعكس رغبة في الاحتفاظ بمناطق جنوبي اليمن بعيدًا عن متناول أي قوة أخرى تُزاحمها النفوذ، في ضوء الرؤية الإماراتية الداعمة لانفصال الجنوب. وربما نضيف الى ذلك ان انسحاب القوات الموالية للإمارات في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي من مدينة الحديدة الساحلية ومناطق مجاورة تم تفسيره في حينه على وجهتين: التحسب لالتفاف قوات أنصار الله على القوات الموالية للإمارات في جبهة الحديدة في حال انتهت معركة مأرب لمصلحة الأنصار، والعودة للتركيز على مناطق الجنوب بدلًا من توزيع الجهود والقوات على مناطق شتى. وكلا الوجهتين لا تتنافيان بل ترسمان معًا صورة الأولويات الإماراتية في اليمن على نحو بات واضحًا أكثر من ذي قبل.
خلفيات الضربة الجديدة للإمارات: تصعيد عسكري قبل رسم ملامح مستقبل اليمن
مواجهة تفعيل مشروع التقسيم
المنظور الثاني: سياسي. استكمالًا لما سبق، تكمن خلفية أحداث الشهور الماضية في التصارع بين اتجاهين رئيسيين: الأول تمثله الإمارات التي تسعى الى إعادة تسويق انفصال الجنوب مستفيدة من الإخفاق العسكري السعودي البيّن في تحقيق مكاسب في الشمال من محيط صنعاء ومأرب الى المناطق الحدودية في الجوف وصعدة. وفي انتظار اتضاح صورة الوضع في مأرب التي تكتسب أهمية كبرى على حدود الشمال مع الجنوب، فضلت الإمارات أن تقوم بنقلة حجر ثقيل عن طريق سحب قوات من الحديدة وتحريك الوضع في شبوة لمصلحة خطتها المستقبلية. وقد نجحت موضعيًا في ذلك، على أمل أن تتمكن من ترجمة هذا الإنجاز المحدود في إقناع الحليف السعودي والداعم الأميركي في المضي بخيار فصل الجنوب بعيدًا عن الرهانات التي سادت خلال الأعوام السبعة الماضية لجهة الحلم بالدخول الى صنعاء او تحقيق تسوية سياسية تخفف من قبضة الأنصار وحضورهم في المشهد اليمني.
خلفيات الضربة الجديدة للإمارات: تصعيد عسكري قبل رسم ملامح مستقبل اليمن
ولا يفوتنا التذكير بأن الإمارات قدّمت عام 2014 عبر أحد وكلائها في اليمن أحمد عوض بن مبارك أمين عام مؤتمر الحوار رؤية تقوم على تقسيم اليمن الى ستة أقاليم، كل منها له حكومة وبرلمان خاص. وكانت الدعوى آنذاك إعطاء مرونة إدارية واسعة لإدارة الدولة، لكن في العمق كان الهدف تسهيل بسط نفوذ الإمارات والسعودية على اليمن، وهو ما نلحظه من خلال الاتفاقات التي تمت وتتم اليوم بين هذين الطرفين ومسؤولي المحافظات اليمنية بشكل ثنائي من دون إقامة اعتبار حتى للحكومة اليمنية الموالية للرياض.
لكن مشروع الأقاليم الستة وُئد بفعل رفض “أنصار الله” ومعهم قطاع من الشعب اليمني لهذا المشروع وما تبع ذلك من تطورات ميدانية ألغت عمليًاً فرصة نجاحه. وبعد معركة شبوة الأخيرة، أضحت الحرب بين خيارين: إعادة البحث في صيغة سياسية تُوحّد اليمن وتعطي لكل طرف حضورًا تمثيليًا يليق بوزنه الفعلي، أو إعادة إنعاش خطة الإمارات لتقسيم اليمن بين إقليمين كبيرين: شمال وجنوب. ومن هنا، يمكن فهم أبعاد الدخول الإماراتي الجديد على خط التطورات في الجنوب اليمني، وأيضاً يمكن فهم ردّ “أنصار الله” بشكل صارم على التحدي الإماراتي من هذا المنطلق.
قد نكون في الربع الأخير من حرب اليمن، حيث يحاول كل طرف رسم مستقبل اليمن انطلاقًا من الوقائع الميدانية، بعدما نجح “أنصار الله” في استعادة المبادرة العسكرية بعد صمود استثنائي أمام هجوم عسكري عاتٍ مدعوم من تحالف هجين مزود بأحدث التكنولوجيا الحربية الأميركية والغربية والدعم السياسي اللا محدود بما سمح باستمرار الحرب والانتهاكات الناجمة عن الحصار لشعب كامل. وفي اعتقادي أن المرحلة القريبة المقبلة ستشهد تطورات متسارعة على ضوء توفر هامش زمني محدود قبل تثبيت معادلةٍ تفضي الى رؤية ملامح اليمن الجديد.