السعودية والامارات في خندق اسرائيلي واحد ضد ايران
بقلم/ د. علي دربج
لا يختلف اثنان على أن كل اجتماع سرّي أو علني بين الكيان الصهيوني والدول الخليجية لا سيما الامارات والسعودية، تكون ايران والملف النووي حاضرين فيه.
بخلاف الانطباع السائد بأن الهجمة الخليجية التطبيعية مع الكيان الصهيوني تقتصر على العنوان الاقتصادي البحت، يظهر واقع الحال أن العلاقات تتعدى التبادلات التجارية والمنافع المادية التي تسعى إليها “تل ابيب” بالدرجة الأولى، لتصل إلى التعاون الاستخباراتي الذي قطع أشواطًا بعيدة بشهادات المسوؤلين الأميركيين والإسرائيليين.
عقب كل لقاء أو اجتماع بين هذا الثلاثي، كان المسؤولون الصهاينة يتفاجأون بكمية العداء الكامن التي يكنها الثنائي الخليجي لايران، واستعدادهما لتسخير كافة امكاناتهما وقدراتهما المادية لمواجهة طهران التي تتصدر سلم اهتماماتهما وتعد من أولوياتهما التي لا تضاهيها أية قضية أو ملف آخر.
رأى الكيان الصهيوني في هذه النظرة الثلاثية العدائية المشتركة لايران، فرصة لا يمكن تفويتها، مستغلّا حاجة هذه المشيخات اليه للوقوف معًا سدًا منيعًا بوجه ما يسمى بـ”النفوذ الايراني”، واضعافه وسلبه مصادر قوته.
لم تكن السعودية والامارات يومًا إلا مجرد أداة يمكن اسخدامها بوجه ايران. كانت الامارات أكثر اندفاعًا من السعودية التي ما لبثت أن سارت على الطريق ذاته.
دور ابن زايد في التعاون مع الكيان بمواجهة ايران
تقول صحيفة الـ”غارديان” البريطانية في تحقيق صحافي إن محمد بن زايد يُعتبر من نواح كثيرة اللاعب العربي الأكثر محورية في هذه الدراما الاستراتيجية الخليجية ــ الاسرائيلية. خلقت الفوضى في البيت الأبيض في عهد ترامب فرصة أمام محمد بن زايد والمستشار الاستراتيجي لترامب ستيف بانون وفريقه لطرح أفكار لزيادة الضغط على طهران. وفقًا لمسؤول أمريكي سابق، قدم أحد المقربين من الإماراتيين والسعوديين والإسرائيليين خطة لاستخدام الأسلحة السيبرانية وزرعها داخل البنية التحتية الحيوية لإيران، بما في ذلك سوق الأوراق المالية، لإحداث فوضى اقتصادية وزرع الفتنة السياسية.
وفي هذا الاطار، ذكر مسؤول أمريكي سابق آخر أن “زعيمًا إماراتيًا رفيع المستوى حضر إحدى الجلسات الأولى مع مسؤولين اسرائيليين، منذ أكثر من عشرين عامًا”. وأضاف هذا المسؤول إن “كلام الزعيم الاماراتي صدم القادة اليهود في الغرفة، إذ قال: يمكنني أن أتخيل أننا في الخنادق مع “إسرائيل” نقاتل ضد إيران. حينها افترض الاسرائليون أنه كان يخبرهم بما يعتقد أنهم يريدون سماعه، لكن المسؤول كان يعبر عما يفكر به القادة الإماراتيون مثل محمد بن زايد الذي يجاهر بالقول “عدو عدوي هو صديقي””.
ويوضح مسؤولون أميركيون أنه منذ تلك الاتصالات الأولية وغيرها، نشأت علاقة لتبادل المعلومات الاستخباراتية، حيث كان رئيس الموساد السابق مئير داغان، اللاعب الرئيسي في مد جسور الربط بين العدو الصهيوني وبعض الدول العربية المحورية، إذ يُنسب إليه الفضل في استراتيجية بناء التحالف هذه، حيث كانت “إسرائيل” ودول الخليج في نفس القارب وفقًا لديفيد ميدان الرئيس السابق لقسم “تيفيل” في الموساد والمسؤول عن العلاقات الخارجية مع المنظمات والدول المماثلة التي لا تربط “إسرائيل” بها علاقات رسمية.
في سياق متصل، ذكرت نشرة إخبارية استخبارية متخصصة أنه “لم يكن هناك مثل هذا التعاون النشط بين “اسرائيل” ودول الخليج، من حيث التحليل والاستخبارات البشرية واعتراض إيران و”الحركات الموالية””.
ماذا عن السعودية؟ وما هي قصة عدم ثقة “اسرائيل” بذكاء قادتها؟
تم تعزيز الروابط النامية بين كيان العدو والخليج بشكل كبير بعد وصول ترامب إلى البيت الأبيض. وتضاعفت علامات تعميق العلاقات السعودية – الإسرائيلية عندما اعتلى الملك سلمان العرش في عام 2015، وارتقت أكثر فأكثر منذ أن تمت ترقية محمد بن سلمان إلى منصب ولي العهد.
غني عن التعريف أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق غادي أيزنكوت، كان تصدّر عناوين الصحف عندما عرض تبادل المعلومات الاستخباراتية حول إيران مع السعودية، مشيرًا إلى أن “بلادهم” تشترك في “العديد من المصالح المشتركة”. المصادر الغربية تؤكد وجود مثل هذا التعاون. في هذا السياق، قال دبلوماسي أمريكي كبير سابق: “رجال المخابرات الإسرائيليين الذين ذهبوا إلى هذه البلدان (اي الدول الخليجية المحورية) التقوا بقادتها. إنهم يعرفون بعضهم البعض جيدًا”، وكشف أن أول وزيرة خارجية لباراك أوباما هيلاري كلينتون “علمت أن الإمارات والسعودية تعملان معًا خلف الكواليس مع الموساد لمواجهة النفوذ الإيراني”.
لكن الجانب السعودي يشتكي من أن “العلاقة غير متكافئة”. فالكيان الاسرائيلي لم يستجب دائمًا لطلبات الاستخبارات السعودية، حتى عندما يتم تقديمها عبر الولايات المتحدة. ويعود هذا الأمر الى “الطباع” الاسرائيلية التي لا تتغير. ويعتبر مسوؤل اسرائيلي لديه خبرة طويلة في التعامل مع الرياض، أن العلاقة ترتكز دائمًا إلى “ما يجب على السعوديين تقديمه.. أستطيع أن أفهم أن الإسرائيليين لم يكونوا ليقدموا للسعوديين معلومات حساسة لأنهم لم يكونوا واثقين من أن السعوديين كانوا سيحمون المصدر، وكان ذلك سيخلق مشكلة خطيرة في مكافحة التجسس”.
ويؤكد خبير استخباراتي آخر “إأنهم ليسوا شركاء طبيعيين. لديهم مستويات ذكاء مختلفة جدا. الإسرائيليون من الطراز العالمي ومسؤولو الخليج ليسوا كذلك”.