تأملات.. في الذكرى السنوية للشهداء 1443هـ
بقلم/ عبدالقوي السباعي
ونحن ننطلقُ في ذكرى الشهداء، التي نتعلَّمُ منها أن الشهادةَ طموحُ كُـلِّ مؤمن صدق مع الله وصدقه الله.. هي خيارُ كُـلّ مؤمن باع من الله نفسه والله اشترى، انطلق وجاهد، واضعاً روحه فوق راحته، وسما بمبادئه إلى حَيثُ التضحية والفِداء، ليس بالغالي والنفيس المادي العيني فحسب، بل قدّم روحَه قرباناً إلى الله لنيل رضوانه، لا لنيلِ مالٍ أَو جاهٍ أَو مكاسبَ دنيوية.. قدم أغلى ما يملك وهي روحه التي بين جنبيه، في سبيل الله ومن أجل الله، ومن أجل تراب أدرك جيِّدًا أنه سيوارى تحته، إن عاجلاً أم آجلاً.. بل أدرك أَيْـضاً أن جسده قد يغيبُ أَو يحترقُ، قد يتقطّع ويتناثر إلى ذراتٍ مبعثرة في الهواء، ومع هذا وذاك، ظل ساعياً نحو نيل شرف الاستشهاد.
في ذكرى الشهداء.. نستحضر اليوم الذي ارتقت فيه أرواحهم أحياءً عند ربهم يُرزقون، وقد أثبتوا للدنيا بأسرها حقيقة دينهم النقي الطاهر المطهر.. حقيقة وطنيتهم ووطنهم اليمني العظيم.. حقيقة شعبهم الحر الكريم.. حقيقة مبادئهم وقيمهم وقضاياهم العادلة، هو يومٌ سمت فيه نفوسهم وعرجت فيه أرواحهم فاستقبلتها حشود أهل السماء، بعد أن سقوا بدمائهم الزاكية أرضنا حتى ارتوت، لم يكن أولهم الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي، رضوان الله عليه، كما أن شهيداً ارتقى تواً في هذه اللحظات ليس بآخرهم، إذ يستحيل حصر أسمائهم بين قوسين، إذ تضيق بهم الذكرى، وتتزاحم بذكراهم العاطرة جميع المفردات في معاجم الكلمات وقواميس اللغات، ذلك أنهم حاضرون بيننا مهما اختلف المكان وتباعد الزمان.
في ذكرى الشهداء.. لو اتخذنا من الوفاء مقياساً في حديثنا عنهم، فَـإنَّ ما قدمه شهداؤنا الأبرار أجلُّ وأسمى من كلمات كاتب يلتمس وصوفهم، أَو إنشاد شاعر يمجد ذكراهم، فقد سجل التأريخ مخلداً مسيراتهم الجهادية، وسِيَرَهم النضالية، وتضحياتهم الجسيمة بخطوطٍ عريضةٍ وأحرفٍ من نور، وكلمات منحوتة في الأرض، وصورٍ نقشتها السماء.. شاخصة للعيان.. هي أبهى وأزهى من القصائد والأناشيد والمقالات والخطب، لن تنمحي من جبين الدهر على مر العصور والازمان.
ذكرى الشهداء هي أكبر من مناسبة، وأكثر من معنى، إنها تجسد استذكاراً لمن هبّ وانطلق.. لمن بذل وضحى، ودافع عن الأرض وصان العرض وحمى الممتلكات ونصرَ الحق، هي استذكارٌ ليومٍ جنّد فيه رجالٌ أنفسهم طوعاً، لحماية قيم ومبادئ توارثوها من الآباء والأجداد، لا يمكن نسيانها أَو التخلي عنها.
في ذكرى الشهداء.. نستحضر بطولاتهم ونستلهم مآثرهم التي ما تزال حاضرةً فينا مع كُـلّ إشراقة صُبح.. وابتسامة طفل، وندرك أن عطاءَهم مُستمرٌّ لن يتوقف، مادياً ومعنوياً، في رجالٍ جاءوا معهم ومن بعدهم وساروا على خُطاهم، يرفعون شعارَ التضحية والفداء.. البذل والعطاء، إيْمَاناً بالله سبحانَه وتعالى ورفعةً لليمن وعزةً وكرامةً للشعب.