“تهريب الأطفال”.. انتهاك لحقوق الطفولة وقنبلة أمنية موقوتة..!!
* اعتراف حكومي متأخر ومعالجات تتجاهل ما هو بالإمكان
* عصابات تهريب لا تزال تستدرج ضحاياها وآباء متورطين
* في رحلة التهريب تتم العديد من الملاحقات والتحرشات ووفاة أطفال أحيانا
لملم ما بقي من أشلاء طفولته المتناثرة في جولات أمانة العاصمة? بائعا أحيانا للصحف وأحيانا للعب الأطفال وأحيانا للسكاكر..
أسرع مهرولا ليلحق بالباص المتجه من منطقة الحصبة إلى باب اليمن قبل الانتقال إلى منطقة حرض بمحافظة حجة ومنها إلى المملكة العربية السعودية.
عادل ابن الـ(11) ربيعا وتفاصيل حياة ناضجة تجاوزت الخمسين? هكذا يبدو.
صعدنا حافلة واحدة حين بادرناه بالسؤال وكان يحمل حقيبة ملابس مهترئة? “مسافر?”? أجاب “ولن أعود إن شاء الله”? لم يكن الأمر بحاجة إلى كثير من الشرح لندرك أن حالة?ٍ من الشقاء يعيشها هذا الطفل? تحف?ظ عادل في الحديث عن نفسه واتجاه رحلته? قبل أن نكرر محاولتنا معه.
ترك عادل دراسته وهو في الصف الثالث أساسي لينظم? إلى قائمة العاملين من الأطفال من اجل مساعدة والده في إعالة أمه وأخواته الثلاث? إلا إن ذلك لم يعد كافيا مع زيادة أسعار المعيشة? ليفاجأ في المساء الذي سبق لقاءنا به بقرار والده بأن عليه التوجه إلى منطقة حرض ومنها التسلل إلى السعودية للعمل فيها.
يقول عادل “لا ادري كيف سأدخل إلى السعودية? وكيف سأجد عملا هناك? أين سأبيت?”? ودوامة من الأسئلة الحائرة ظل يرددها على مسامعنا وكأنه يأمل منا موقفا يعيده إلى أمه التي قال إنها دخلت في شجار عنيف مع والده عشية رحلته? وخرج وهي تبكي وقد أعطته مبلغ (1800) ريال يمني قالت إنها حصيلة ثلاثة أشهر وادخرتها لوقت الحاجة..!!
يقول الباحث الاجتماعي محمد عبده الواسعي إن عادل نموذج لمئات الآلاف من الأطفال الذي يعيشون واقعا يسرق أعمارهم? يتركون التعليم في وقت مبكر جدا ليجدوا أنفسهم في عماله مبكرة في الشارع أو يتم تهريبهم إلى دول الجوار للعمل هناك? ثم يحصدون نتائج الظروف الصعبة التي يعيشونها بسبب الفقر والحاجة.
تؤكد دراسة ميدانية حول ظاهرة عمالة الأطفال في اليمن أعدها الاتحاد العام لنقابات عمال اليمن أن أهم أسباب انخراط الأطفال في سوق العمل يرجع إلى اتساع نطاق الفقر وحاجة الأسر لعمل الأطفال لتغطية جزء من المصروفات? حيث أظهرت نتائج الدراسة أن أكثر من 76% من الأطفال العاملين يعملون من أجل تغطية مصروفات أسرهم? منهم 43% تتراوح أعمارهم بين 12 و14 عاما.
ومن هنا تبدأ المشكلة وتنشأ ظاهرة (تهريب الأطفال) من اليمن إلى دول الجوار وتحديدا المملكة العربية السعودية.
أول الحكاية
بدأت الظاهرة في التسعينيات القرن الماضي وبصورة بسيطة جدا سرعان ما أخذت تتنامى مع زيادة تردي الوضع الاقتصادي لترتبط “بظاهرة الفقر التي أخذت بالاتساع والانتشار منذ?ْ منتصف التسعينيات” حسب وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لقطاع التنمية الاجتماعية على صالح عبدالله الذي أشار في دراسة أعدها حول ظاهرة تهريب الأطفال قدمت في المؤتمر الإقليمي الثاني لوقاية الأطفال من العنف والإساءة والإهمال المنعقد بالعاصمة صنعاء 2007م? إلى أن? “تأخر الاعتراف بالظاهرة من قبل الدولة والمجتمع” واحدة من أسباب نمو الظاهرة? في تلك الأثناء”? وقال ستيفانو تاماجنيني ممثل المنظمة الدولية للهجرة “منذ عامين لم يكن بإمكاننا مجرد الحديث بشأن هذه المشكلة رسميا”.
وذلك ما أكده أيضا المدير التنفيذي لمؤسسة شركاء المستقبل عبدالإله سلام الذي أوضح بأنه “كان هناك تهر?ْب من مناقشة هذه الظاهرة? وهناك من كان ينفي وجودها في اليمن ولولا مؤسسات المجتمع المدني لما تم الاعتراف بظاهرة تهريب الأطفال”.
يقول الباحث الواسعي “مع تزايد عمالة الأطفال تولدت مشكلة تهريبهم إلى دول الجوار لان أهلهم ما عادوا يقنعون بما يجنيه أطفالهم العاملين في الشوارع داخل الوطن”.
منظمة “اليونيسيف” وفي أول دراسة علمية أعدتها عن الظاهرة بالاشتراك مع وزارة الشؤون والعمل عام 2004م توصلت إلى أن عملية تهريب الأطفال غالبا ما تتم بعلم وموافقة الأهل? وبعض الأطفال ي?ْجبرون على ذلك من قبل أهلهم? هذه الأسر – حسب الدراسة- تأتي إلى الحدود بحثا عن المهربين من أجل تسليمهم أبناءها.
منى سالم مدير عام وحدة مكافحة عمل الأطفال بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وهي إحدى المشاركات في تنفيذ الدراسة تقول “ضمن عملنا بقينا ما يقرب من أسبوعين في منطقة حرض? وهي منفذ التسلل والتهريب في الأراضي الحدودية واستقبلنا الأطفال المرحلين من الأراضي السعودية ووجدنا أن 80% منهم دفعتهم أسرهم للذهاب إلى السعودية عبر التسلل”.
وتلقى رغبة الأسرة من يحولها إلى حقيقة بوجود مهربين وعصابات امتهنت وتخصصت في تهريب الأطفال إلى الشقيقة السعودية.
النائب شوقي القاضي عضو لجنة الحقوق والحريات في مجلس النواب عضو اللجنة المشكلة لتقصي الحقائق حول الظاهرة أكد “أن هناك عصابات منظمة تقوم بتهريب الأطفال والفتيات”? فيما أشار على صالح عبدالله إلى “وجود مهربين محترفين”.
وعلى ال