تحرير مأرب.. ثلاثة أهداف بثلاث نتائج
بقلم/ علي الدرواني
تتسارع خطى عمليات تحرير مأرب بشكل غير متوقع، لتبدو حرّة قاب قوسين أو أدنى. هذا ما يقوله الميدان العسكري. ومن خلال رصد العمليات العسكرية السابقة للجيش واللجان، منذ عملية “نصر من الله”، و”البنيان المرصوص”، و”أمكن منهم”، وما تلاها من عمليات في البيضاء وشبوة ومأرب، وصولًا الى “ربيع النصر 2″، نلاحظ أن الانتصارات على الأرض تتجاوز الانتصارات المعلنة بمراحل كبيرة، وتحتفظ القوات المسلحة بالإعلان عنها لصالح العمليات العسكرية والأمنية والاستخباراتية، والجهود القبلية والاجتماعية، وهذا يعني أن ما أعلن عنه بالأمس خلال احاطة القوات المسلحة على لسان العميد يحيى سريع، أقل بكثير من حجم الإنجاز على الأرض، والأيام القادمة ستكشف حقيقة التموضع الجديد للقوات المسلحة.
هذا بالنسبة للميدان، والحال لا يختلف كثيرًا إذا ما حاولنا أخذ المعطيات والتوقعات، التي تكاد تكون قناعات كبيرة لدى مرتزقة العدوان، بحتمية تحرير مأرب، أو حسب تعبيرهم سقوط مأرب، وأن المسألة لا تعدو مجرد الإعلان عن ذلك رسميًا، بما يعكسه ذلك من انهيار معنويات عناصر العدوان، وتسليمهم بالأمر الواقع المنتظر، وربما هزائم العدوان في فرضة نهم، وبعدها كوفل وماس، ومؤخرًا من العبدية وماهلية ورحبة وجبل مراد والجوبة، ستزيد من طين انهيارهم بلة من النكسات التي حملوها على ظهورهم الى مدينة مأرب، وانعكست على تصريحات وتلميحات قيادات الارتزاق وأبواقها الإعلامية التي بدأت تتحدث عن خطورة (سقوط مارب) على بقية الجغرافيا، ولا يتوقفون عند جغرافيا اليمن المحتلة في الجنوب فحسب، بل يتحدثون عن الجزيرة العربية والمنطقة ككل. وهذه المبالغات في التهويل، تستجر في طياتها دفعًا للرياض الى مزيد من رمي الثقل في هذه المعارك، وهي التي لم تدخر جهدًا في الدعم العسكري لا سيما الجوي، ومئات الغارات لمنع وكبح جماح التقدم العسكري على الأرض دون جدوى، ومع ذلك خرجت قوى الارتزاق ببيان منسوب للأحزاب المؤيدة للعدوان، تنعى مأرب على وقع الانتصارات الأخيرة، وتحمّل التحالف وما تسميه الشرعية مسؤولية الخذلان.
أهمية مأرب بالنسبة لليمن سياسية وعسكرية واقتصادية. سياسيًا، هي جزء محتل من البلاد ولا يمكن بأي حال من الأحوال تركها في يد الغزاة والمحتلين، ويجب اعادتها إلى حضن الوطن وفرض السيادة الوطنية كاملة واستعادتها من أيدي الغزاة والمرتزقة.
عسكريًا، لطالما كانت مأرب بؤرة وخنجرًا في خاصرة اليمن، واستخدمتها قوى العدوان كمعسكر جمعت فيه المتردية والنطيحة وما اكل السبع، من عناصر “القاعدة” و”داعش” والتكفيريين وبقايا حزب الإصلاح وحفنة من المرتزقة الباحثين عن فتات الرياض وما خلفته موائد نهب النفط والغاز. وهذه البؤرة الخطيرة التي هددت كل المناطق المجاورة لها، الجوف شمالًا، وصنعاء غربًا، والبيضاء جنوبًا، لا يجوز أن تبقى مصدرًا للتهديد، ومرتعًا لعناصر “القاعدة” و”داعش”.
اقتصاديًا، استخدمت الرياض مأرب كوسيلة حصار، بما يمثله من قطع امدادات النفط والغاز والكهرباء، وهي خدمات أكثر حيوية، وتنعكس على كل الجوانب الحياتية والمعيشية لقطاع كبير من الشعب اليمني، وبتحريرها ستكسر جزءًا من أسوار الحصار الظالم، وتتحطم عليها مخططات العدوان وآمالهم في كسر إرادة الشعب وتركيعه.
بالحديث عن النتائج، داخليًا، فإن افشال العدوان ومخططاته، لا سيما مخطط التقسيم و”الأقلمة”، وانتزاع واحدة من أهم أوراقه من يده، يعتبر إنجازًا مهمًا، الأمر الذي سيجلب المعتدين الى طاولة المفاوضات دون أجنحة الكبر والغرور والابتزاز السياسي والإنساني، ويفقدهم المناورة السياسية والمقامرة الخطيرة التي كانوا يقومون بها على حساب الشعب اليمني، وحاضره ومستقبله وحتى على مصادر عيشه.
النتيجة الثانية، تخص أبناء مارب الذين سيعودون الى منازلهم ومزارعهم ومصالحهم، بعد تشريدهم لسنوات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يعود الهدوء والأمن لبلادهم، وتتراجع أسعار الريال وأسعار السلع والمواد الضرورية، كما تحققت هذه الأمور في المديريات المحررة جنوب المحافظة مؤخرا. أما أبناء مأرب من الطرف الآخر، فلا تزال أمامهم مبادرة السيد عبد الملك الحوثي، وعليهم اليوم أن يتلقفوها، لأنها المخرج الوحيد أمامهم، قبل أن يتجاوزها الميدان والواقع على الارض.
النتيجة الثالثة اقليمية، تتمثل بفقدان ابن سلمان واحدة من أهم أوراقه التي يذهب لمقايضتها هنا وهناك، ليبيع من كيس غيره، ويشتري الى كيسه، أيضًا فهو يفقد ما كان يتخيله من موقع اقليمي من موضع القوة والاستناد الى نفوذه وسلطاته العابرة للحدود، الآن سيبدو فاقدًا لكل هذه الأوراق، ويتوقف عن العبث والمقايضات الجائرة.
إن ما تحقق الى اليوم، يعبر بوضوح عن تجاوز اليمنيين بفضل الله عقبات استراتيجية ليصلوا الى موقع فرض الشروط على العدو، بكل ثقة واقتدار، مستندين الى حقائق الميدان، وقبلها حقائق التاريخ والجغرافيا.، ولله المنة من قبل ومن بعد.