نعم.. القرداحي لم يخطئ حتى يعتذر.. وما قاله عن اليمن هو نصف الحقيقة.. ولهذه الأسباب نتضامن معه في مواجهة حملات الترهيب والابتزاز
بقلم/ عبد الباري عطوان
يتعرض السيد جورج قرداحي، وزير الاعلام اللبناني الى حملة “إرهابية” شرسة في الوقت الراهن من قبل المملكة العربية السعودية، ودول خليجية أخرى تطالب الحكومة اللبنانية بفصله من منصبه، مثلما تطالبه بالاعتذار رسميا لأنه تجرأ وقال نصف الحقيقة عما يجري في اليمن من قتل وتجويع وحصار لشعبه منذ ما يقرب من الثماني سنوات، والا فان عليها، أي الحكومة اللبنانية، تحمل كل العواقب.
انها “المكارثية” الجددة في اسوأ اشكالها في تكميم الافواه، ومحاكاة متطابقة مع أساليب العنصرية الإسرائيلية أيضا، أي النبش في تاريخ الشخص، واخراج بعض التصريحات القديمة عن سياقها، وتوظيفها لإدانته وتشويه صورته، والقصاص منه.
***
الجريمة الكبرى التي ارتكبها الوزير قرداحي، ولن تغفرها له هذه الدول، وادت الى استدعاء سفراء واصدار السيد نايف الحجرف، امين عام مجلس التعاون الخليجي، اصدر بيان رسمي وصف فيه تصريحات القرداحي بأنها “تعكس فهما قاصرا وقراءة سطحية للأحداث ويجب عليه الاعتذار”، عندما قال، أي القرداحي، في مقابلة قبل شهر من تعيينه في منصبه “ان الحوثيين يدافعون عن انفسهم ضد الاعتداءات السعودية والاماراتية، وان هذه الحرب في اليمن عبثية ويجب ان تتوقف”.
عندما نقول ان الوزير قرداحي لم يقل الا نصف الحقيقة لأنه لم يذكر في هذه المقابلة ان غارات التحالف السعودي الاماراتي أدت لاستشهاد 250 الف يمني، واصابة اربعة اضعاف هذا الرقم، وتدمير مستشفيات ومدارس، ودور حضانة وأسواق عامة، وقصف مجالس عزاء، وصالات افراح، والقائمة طويلة وموثقة.
لا نعرف اين هو الجهل الفاضح الذي تعكسه تصريحات السيد قرداحي المذكورة آنفا حسب توصيف كل من امين عام مجلس التعاون الخليجي والسيد معمر الارياني وزير الثقافة اليمني، وأين هو الانحياز الاعمى الى جانب الميليشيات الحوثية، فالجهل في نظرنا، والملايين من امثالنا، يكمن في عدم الاعتراف بمن بدأ هذه الحرب، واطلق “عاصفة الحزم”، وارسل مئات الطائرات لقصف اليمن، ولا يستطيع حتى الآن حسمها، او الخروج منها، ويتفاوض حاليا مع الإيرانيين الذين كانوا بالأمس “مجوسا” و”عبدة نار” و”رافضة”، لإيجاد مخرجا منها ويتمنى الحوار مع الحوثيين.
اللبنانيون، وخاصة الذين يقفون في الخندق الخليجي، يتحملون مسؤولية كل تطاول واذلال لبلدهم ومؤسساتهم ورموزهم عندما “صمتوا”، وما زالوا، على اعتقال سعد الحريري رئيس وزرائهم، وضربه واهانته، واجباره إعلان استقالته على الهواء مباشرة، ولم ينتصر له الا الرئيس عون ومحور المقاومة، وعلى رأس هؤلاء الصامتين السيد الحريري، ووقفوا للأسف في خندق المؤامرة الامريكية الإسرائيلية التي فرضت حصارا اقتصاديا تجويعيا على بلدهم، تواطأت فيه بعض الدول الخليجية التي لم ترسل برميل نفط واحد لإعادة الحد الادنى من متطلبات الحياه اليه.
لا نعرف السيد قرداحي شخصيا، وان كنا نعرف سيرته الإعلامية، ولسنا من أصدقائه، ولم نلتقيه الا مرة واحدة عرضا في حياتنا المهنية، ولكننا نتضامن معه في مواجهة هذه الحملات الإرهابية الإعلامية، ورفضه الاعتذار والخضوع للابتزاز، فالكرامة الشخصية والوطنية فوق كل الاعتبارات الأخرى، مثلما كنا نتمنى ان هذه الحملة ضده وبلده الضعيف المحاصر المجوّع، كانت ضد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وصف هؤلاء بأنهم بقرة حلوب، لا يملكون غير المال، وانه لا يبقون في مناصبهم يوما واحدا دون حمايته، واستخدم توصيفات نتعفف عن ذكرها في هذا المكان، ولان لبنان الضعيف حيطة واطية في نظرهم يسهل الإستئساد عليه.
***
الوزير قرداحي أصاب كبد الحقيقة في رأينا، عندما قال في مؤتمره الصحافي اليوم “لم اخطئ حتى اعتذر ولا يجب ان نبقي في لبنان عرضه للابتزاز لا من دول ولا من سفراء ولا من افراد، وهم يملون علينا من يبقى ومن لا يبقى في الحكومة.. السنا دولة ذات سيادة”.
هذا الموقف الشجاع المشرف يجب ان يحظى بإحترام وتقدير كل الزملاء الإعلاميين والسياسيين من كل المشارب والوان الطيف السياسي، في لبنان والعالم العربي، حتى في دول الخليج، لأنه ينحاز الى الحقيقة ويؤكد على السيادة اللبنانية، ويرفض كل اشكال الترهيب والابتزاز، وكل اشكال الغطرسة والتنمر.
قد يخسر السيد قرداحي منصبه الوزاري، ويوضع على اللائحة السوداء في بعض الدول الخليجية او كلها، ويُحارب في لقمة عيشه واطفاله، وتغلق في وجهه كل او معظم القنوات الخليجية، وربما بعض العربية أيضا، ولكنه كسب عزة نفسه، وحافظ على كرامته ودولته، قولوا ما شئتم، والحياة وقفة عز.
رأي اليوم