يومٌ من أَيَّـام الله
بقلم/ سند الصيادي
كنتُ أدفعُ ابني إلى مغادرة الساحة دفعًا، فيتذرع لي بأنها لم تكتمل بعد، وأبرّر له بأنها على وشك أن تفعل، وبأن طريقَنا إلى البيت سيكون أسهلَ مما لو انتظرنا، خشيتُ عليه من الجوع والإجهاد والتعب، ورغم صغر سنه ظل يكابر، ويهتف ويصرخ طوالَ الفعالية، وأنا أنظر في سيل الحشود وإلى جميع أقرانه الذين كانوا نوارة الساحة، بكل تعجب وَبفخر.
مخطئٌ مَن لم يستشعر في نفسه روحانيةَ المشهد، وَعبَقَ التاريخ، وَمن لم يحلّق في زمن البعث والنبوة بكل ما أوتي من قدرة على التخيل، وتسافر روحُه إلى الماضي التليد، تطوفُ بخيام وَسقائف بني هاشم لحظةَ المخاض، ترصُدُ أجواء الموقف، مخاوف الغيب وَفرحة الولادة..
مخطئٌ مَن لم يتأمل في شعاع النور الإلهي الذي تصاعد وهجُه، وَنفذ سناءُه الوَضَّاءُ من بين رؤوس الجبال وسعاف النخيل إلى يثرب وأهلها، والوجوه التي ترهقها قترة صارت مستبشرةً، ويثرب الجهل والجاهلية باتت مدينةً منوَّرةً.
احتفينا بمحمد كما لم يحتفِ به أحدٌ مثلنا، وهو نهج توارثناه بالفِطرة لا بالاكتساب، نهجٌ متأصلٌ فينا رغم التقادم، وأن انطفأنا دهرًا بفعل رياح الفتن وغُبار المؤامرات، لا نلبَثُ إلَّا أن نتوقَّدَ بغضب التمادي وَبمشاعر الفقد وَحاجةِ الشفاعة والخَلاص.
وحتى لا يعيدَ المستقبلُ علينا ما كان في حاضرنا من إنكارٍ لطقوس الاحتفاء وَتجديد المبيع، أوفدنا فلذات أكبادنا معنا إلى الساحات، لنؤصِّلَ فيهم المسارَ، وَنحمِّلَهم الأمانة، ونخُطَّ أمامهم الطريق، ليكونَ لهم العنوانُ واضحًا وَالنهجُ حَيًّا وحاضرًا، وتلك مشيئةُ الله فينا إلى قيام الساعة.
خرجنا لأجل محمد لا سواه.. ماذا ستقولون فينا، مَن أغرانا، ومن أرهبنا، ومن دفع لنا، وأية ميزانية كانت ستكفي لجمع أمثال هذه الجموع..؟!
خرجنا ليس نفاقًا ولا محاباةً، وهل يحابي في محمد أحدٌ بهذا الزمن، إنما حاجةٌ وَفقدٌ وَحنينٌ لمحمد، في زمن استوحشنا فيه ظلمَ الإنسان للإنسان، زمن غابت فيه نواميسُ الفضيلة.. في عالم يحكمُه التوحُّشُ والنفاق.
لا خيارَ لنا إلَّا التحصُّنُ بالحصن الحصين.. لا نجاةَ لنا إلَّا التشبُّثُ بالعُروة الوثقى.. لا ملاذَ لنا غيرُ مركَب النجاة الأمين..
قولوا فينا ما قلتم، وإن قلتم فقد أنكرتم التاريخ.. وَاستحققتم غضبَ الله والرسول وانجرفتم إلى شِعابِ الهالكين.. وذهبنا نحن في شعبة الرسول، ننشُدُ الشفاعةَ واللطفَ والتأييدَ وَالنصر.