حمايةُ المقاومين مقاومةٌ والحفاظُ على سلامتِهم نصرٌ
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
رغم أن العدو الصهيوني كيانٌ ودولةٌ، وحكومةٌ وجيشٌ، وأجهزةٌ ومؤسسات، ولديه إمكانياتٌ كبيرةٌ، وعنده قدراتٌ ضخمة، ويتمتع بوسائل تجسس ومراقبة، وآليات اختراقٍ ومتابعة، وسبل هجوم ومباغتة، وقد لا تستطيع أيدي المقاومة الوصول إليهم والنيل منهم، لبعدهم عنهم، وإغلاق المناطق دونهم، فضلاً عن إجراءاتهم الأمنية المشددة.
إلا أنه رغم ذلك يقلق على جنوده، ويخاف على عناصر أمنه، ويخشى أن يتعرضوا لأي ضررٍ أو أذى، سواء كان مادياً أو معنوياً، ما دعاه إلى تشكيل فرقٍ خاصةٍ أمنيةٍ وقانونية، واجتماعية ونفسية، مهمتها الأساس حماية قادته والدفاع عن ضباطه، وضمان سلامة جنوده مهما تدنت رتبتهم، وعدم تعريض حياتهم للخطر، أو المساس بممتلكاتهم وحقوقهم، فتراه لا يعلن أسماءهم، ولا يكشف صورهم، ويخفي الكثير من المعلومات عنهم، بل يعمل على التعمية عليهم، ويمنع نشر أي شيءٍ يتعلق بهم، ويتجنب في حفلات التكريم وتوزيع الأوسمة وشهادات التقدير عرض صورهم، أو الكشف عن أسمائهم وعائلاتهم، وما زال الكثير من عناصر وحدات النخبة الذين نفذوا عملياتٍ أمنية خاصة مجهولة أسماءهم، وغير معروفة مهامهم.
إلا أننا لا نحذو حذوه ولا نقلده في أعماله، رغم أنه يقوم بما يخدم كيانه ويحفظ أمنه، فلا نحاول مثله حماية أبطالنا، والحفاظ على أراوح رجالنا، وإبعادهم قدر المستطاع عن الرصد والاستهداف، رغم أن هذا واجبٌ علينا وطنياً، وفرضٌ دينياً، ومسؤولية أخلاقية وإنسانية، قبل أن يكون تقليداً للعدو وتميناً به، أو تشبهاً به ومنافسةً له، علماً أننا ننشغل أكثر في حماية قادتنا وحراسة مسؤولينا، الذين قد لا يكون بعضهم مطلوباً للكيان، أو مصنفاً لديه خطراً، وليس في سجله ما يغيظ العدو ويؤلمه، أو يدفعه للحقد عليه والتربص به، والتخطيط لقتله أو اعتقاله، إلا أن أسباباً كثيرة قدمته، وعوامل مختلفة قد رفعته.
بينما نهمل من يجب علينا حمايتهم والمحافظة على حياتهم، ونقصر في الحفاظ عليهم أحراراً أو أحياءً، رغم أنهم في حاجةٍ ماسةٍ إلى الحماية والرعاية والاحتضان، والإحساس بالدفء والأمان في كنف شعبهم وبين أهلهم، إذ ينجح العدو غالباً في اعتقال المطاردين منهم، ويلقي القبض على المطلوبين والملاحقين، ويظهر في كل مرةٍ فرحته بصيده الثمين، ويبدي شماتته الكبيرة بنا بما حقق وأنجز، فغاية ما يريده هو أن يفت في عضد هذا الشعب ويوهنه، وأن يشعره بأنه وحيدٌ معزولٌ، وأن أحداً لا ينصره أو يقوى على حمايته والدفاع عنه.
وفي هذه الأيام يهدد قادة جيش العدو ومسؤولوه الأمنيون، ويحرض إعلاميوه ويدعو مستوطنوه، ومعهم ذوو القناص القتيل، إلى تصفية أو اعتقال الشاب الفلسطيني الذي انتقم لأطفال شعبه وضحاياه، فقتل من نقطة الصفر بمسدسٍ صغير، القناص الإسرائيلي الذي أثخن في شعبنا، وقتل على الحدود مع قطاع غزة، غيلةً وغدراً، وقنصاً وجبناً، العديد من أبنائنا وبناتنا، وكان آخر ضحاياه صبيٌ صغير لم يتجاوز الثالثة عشر من عمره، أستشهد فيما بعد من جراء الإصابة، فكان قتله قصاصاً، وتصفيته عدلاً، وإنزاله من صياصيه درساً، والنيل منه ثأراً شرفٌ لا يناله إلا المخلصون.
ولولا أن نجح هذا الشاب الفلسطيني في قتله، فأسكت بندقيته وأوقف إجرامه، لربما واصل هذا “القناص” المجرم استهداف خيرة المتظاهرين، ورموز المشاركين، علماً أنهم يستهدفون الأطفال والنساء والشبان والرجال، والمقعدين وذوي الاحتياجات الخاصة، والعاملين في الأطقم الصحية وأجهزة الدفاع المدني، ويتعمدون قتل الصحافيين والمصورين والعاملين في المجال الإعلامي، رغم أنهم وغيرهم من الأطقم الإنسانية، يستخدون الخوذ الخاصة بهم، ويحملون الشارات الدالة عليهم، ويلبسون بزاتٍ مدنية لا تخطئها العيون، ولا يختلط أمرهم أبداً على المراقبين والمتابعين، وعلى القتلة المجرمين، إلا أنهم يتعمدون القتل ويقصدون الإصابة.
قادة جيش العدو وأجهزته الأمنية يتلمظون بغضب، ويهددون بحقدٍ، ويتربصون بحذرٍ، وقد أطلقوا يد المتعاونين معهم، وشغلوا أجهزتهم ومعداتهم، ولن يدخروا وسعاً في استخدام طائرات الرصد بدون طيار والأقمار الاصطناعية، وغيرها من وسائل التقانة الحديثة التي نجهلها أو نعرفها، إذ أعلنوا عزمهم تصفية قاتل قناصهم، وقتل من مرغ أنوفهم بالتراب وأحرجهم، وكشف ضعفهم وهشاشتهم، واستهزأ بهم وتهكم عليهم، وجعلهم أضحوكة بين الناس ومثار غضبٍ بين مستوطنيه.
فلهذا فهم لا يخفون نيتهم قتله وتصفيته، وقد وعدوا أُمَّ القناص وطمأنوها، وطلبوا منها الهدوء والانتظار، ووعدوا شعبهم ومَنَّوهُ بالانتقام السريع والثأر المباشر، الذي يثلج صدرهم ويبرد نار قلوبهم، ويعيد الثقة من جديدٍ بجيشهم وأجهزته الأمنية، الذي هزته أحداثٌ كثيرة قبل قتل القناص وبعده، فزادت في اضطراب حالته واهتزاز صورته، وأظهرته ضعيفاً يتردد، وهشاً ينكسر، وليناً يعصر.
يا شعبنا العظيم ويا أهلنا في قطاع غزة الحبيب، لا نريد أن نمنى بخسارةٍ جديدةٍ، أو نصاب بنكسةٍ أخرى، فقد أصابنا ما يكفي من الحزن والأسى والحسرة والألم، نتيجة فشلنا في حماية أبطالنا الأحرار الستة، الذين حاولوا الفرار ولم يتمكنوا، لا لجبنٍ فيهم، أو لخوفٍ وعجزٍ عندهم، بل بسبب عجز المقاومة عن حمايتهم، وتقصيرها في التواصل معهم وتأمينهم وتوفير ما يلزمهم.
فلا نقع في الخطأ مرةً أخرى، ونعجز عن حماية من انتقم لنا وثأر باسمنا، ولا نفرح عدونا ولا نشمته من جديدٍ فينا، بل يجب علينا أن ننتبه ونحذر، وأن نجد ونعمل، بصمتٍ وهدوءٍ، وحكمةٍ وخبرةٍ، مستفيدين من تجاربنا، ومتعلمين من أخطائنا، ولنحفظه في قلوبنا، ولنخفيه في حنايا صدورنا، ولندافع عنه بأشفار عيوننا، حتى يصل إلى مأمنه ونطمئن إليه، فلا تراه عين العدو ولا تصل إليه يده، والله خيرٌ حافظاً وهو أرحم الراحمين.