كلماتٌ في مسير الثورة
بقلم/ سند الصيادي
من ظَنَّ أن الثوراتِ تصبحُ مُجَـرّدَ تاريخٍ مميَّزٍ في التقويمِ السنوي، أَو احتفاليةٍ سنويةٍ باهتةٍ يُقيمُها اللصوصُ فوقَ جثامين الثوَّار وَعلى موائد المصادَرة لأحلام وطموحات الأحرار، وَمَن ظَنَّها مُجَـرّدَ مراسيمَ وَأناشيدَ وَأهازيجَ وَخطاباتٍ تزوَّرُ فيها الحقائقُ والأدوار، عليه أن يُعِيدَ الإنصافَ لمفهومِ الثورة بقراءةِ يوم الحادي والعشرين من سبتمبر، وسيجدُ حتماً أن القِصَّةَ مُستمرّة، لا تتوقفُ روايتُها للأجيال عند عامِها الأول كما سابقاتها، وَإنما تتجدَّدُ كُـلّ عام بشكل مختلف، ثورةٌ تُبعَثُ كُـلَّ عام بوجهٍ أكثرَ بهاءً من عامها الذي سبق، بزخم ثوري متوقِّد، يتجدّدُ فيه العهدُ بالدماء للدماء، وللتضحيات بالتضحيات، وللأهداف بالتحقيق والنفاذ، رصيدُ المكتسبات فيها يتعززُ بالمزيد من البناء وَالعمل.
ثورةٌ وُجدت لتحيا، لا لتُروى وحسب، فصولُها مفتوحةٌ على الزمان والمكان، وَقائمةُ الشرف فيها لا تُغلَق، وَلا تجيَّر وَلا تصادر، متاحةٌ ميادينُها أمام كُـلّ الصادقين التوَّاقين إلى الخروج من هامشِ الماضي نحوَ مستقبل العزة وَالكرامة، وأبعد من ذلك ثورة سموح، فاتحة ذراعَيها للصفح والغُفران عن كُـلِّ من وقف في المسارِ المُناوِئِ لها، إن هو اختار اللحاقَ برَكْــبِها المُبْحِرِ، وَغادَرَ معسكَرَ الخاسرين.
ثورةٌ تتجدَّدُ كُـلَّ عام بانتصاراتها وَبمكتسباتها، مشعلُها يتصاعدُ وَهَجاً كلما اتسعت الجغرافيا تحتَ أقدام الأُباة، طريقُها مرصوفةٌ بالإصرار وَالعزائم، محفوفةٌ بعناية السماء، قوافلُها تمضي في ظلال المكارم التي يحتويها هذا القائدُ الضرورةُ في هذا الزمن الاستثنائي.
ثورةٌ تسلحت بالله وَبالفضيلة، انطلقت من روح الأرض وَهموم الإنسان، لتعيدَ الاعتبارَ للأرض وَالإنسان، لم تحملْها إلينا رياحُ ما وراء الحدود، ثورةٌ لا معلَّبَة وَلا مستورَدة، وَلا شرقية وَلا غربية، شعلتُها تتوقدُ رغم العُزلة وَالحصار، لم يطفئ فتيلَها الغاراتُ، ولا التحشيدُ والتضليل وَالتشهير الذي يعترضها تمكّن من غاياته.
وَعلى خلافِ أشباه الثورات وأُسطواناتها المشروخة، لم تكُنْ يوماً من الدهر، بل إن كُـلَّ مولد جديد للحادي والعشرين من سبتمبر هو يومٌ من أَيَّـام الله، عجزت الأقلامُ فيه أن تحصيَ ما بين العام وَالعام من انتصارات وَأحداثٍ وَحقائقَ وَتحولات.
ثورةٌ ارتقينا بها وعياً وَعزماً وَحزماً، ثورةٌ اجتثَّ سيلُها الجارفُ رواسبَ الماضي الزائف، وتجلّى فيها الإيمانُ وَالحكمةُ للإنسان اليماني بكِمالِ المعاني وعظيم التجليات.