شرعية قرضكم كشرعية دولة بلا هُــوية وحكومة بلا وطن
بقلم/ عبدالقوي السباعي
بعد أن تماهى صندوقُ النقد الدولي مع المشاريع الاستعمارية لقوى الهيمنة والاستغلال العالمية، بات الخيار الأكثر كارثيةً على الدول والمجتمعات الفقيرة حول العالم، والتي قد تلجأُ للحصول على قروضٍ ماليةٍ منه، هذه الكارثة تكمن في آلية الموافَقة على هذا القرض، والتي دائماً ما تكونُ مُكلفةً وثقيلةً على كاهل الدول والشعوب، تبدأُ من رفع الدعم الحكومي عن السلع الرئيسة، وقد لا تنتهي تلك الشروطُ بتعويم العُملة المحلية لهذه الدولة أَو تلك، ناهيك عن صرفِ معظمِ تلك القروض في تنفيذِ مشاريعَ خَاصَّةٍ بالبُنية التحتية، والتي لا تمُتُّ للمشاريع الإنمائية بأية صلة، هذا إن سَلِمَت من استحواذ هامورات الفساد الناخر في صُلب تلك الدول.
وعلى الرغم من أن صندوق النقد الدولي، ساهم في إقراض العديد من الدول العربية في عدة محطات، خُصُوصاً بعد ما يسمى بثورات الربيع العربي؛ بهَدفِ دعم اقتصادات تلك الدول وتنشيطها، بناء على طلبٍ منها، وحسب الإحصائيات الموثقة عن الصندوق، فقد بلغ إجمالي ما تم اقتراضه من جانب الصندوق خلال السنوات من (2011م – 2020م)، لكُلٍّ من مصر والمغرب وتونس والعراق والأردن واليمن وموريتانيا نحو 54.39 مليار دولار، إلا أن جميعها فشلت في استغلال تلك القروض، ممّا ضاعفَ مديونياتها للصندوق.
والمتتبعُ لرحلة حصول هذه الدول على القروض سيلاحظ أن جميعها جاءت مقابل تقديم برامج الإصلاح الاقتصادي، أي أنها وصفة واحدة يضعها الصندوق للجميع تقريبًا، بينما يمتنع عن تقديم أية قروض أَو منح في حالة عدم الاستقرار الاقتصادي أَو في ظل النزاعات والحروب.
هذه الوصفة السحرية تتمثل في رفع الدعم عن الوقود والكهرباء والتعليم والصحة، وخصخصة الشركات والمؤسّسات الحكومية، وتنفيذ زيادات ضريبية على السلع الاستهلاكية، بزعم تأسيس شبكة حماية اجتماعية، وضبط الأجور، ووصلت في حالات مثل مصر إلى تعويم العُملة المحلية (الجنيه المصري)، كأبرز شروط الصندوق لمنحها القرض، فتم تعويمه، فكان يباع الجنيه محلياً في السوق الرسمية والموازية، لتتراجعَ قيمتُه لدى البنك المركزي المصري من 8.88 لكل دولار إلى 16 جنيهاً وحَـاليًّا إلى 20 جنيهاً فأكثر.
اللافت أَيْـضاً، عند موافقة الصندوق، أنَّه يقدم مبلغ القرض على دفعات متفاوتة، في كُـلّ دفعة يطلب من الدولة تنفيذ إحدى بنود الإصلاح المعتمدة من قبله، ما لم يتم تعليق تقديمها، هذا الأمر أتاح للصندوق التحكم المباشر بالسياسات الاقتصادية للدولة بموجب عقود المنحة؛ لمراقبة سير مبلغ القرض والإشراف على تنفيذ برامج الإصلاح، ليصبحَ فيما بعدُ مَن يضعُ آلياتِ استغلال الدولة لمواردها وثرواتها السيادية، ومخولاً لهُ انتخاب من يراهم أهلاً بتنفيذها؛ لكي يضمنَ منطقياً إمّا النجاحَ في الإصلاح الاقتصادي، وبالتالي تمكّن هذه الدولة من سداد القرض، أَو مزيداً من الإخفاق والتعثر؛ لضمان ديمومة بقائه فيها والتحكم بقرارها، وهذا هو التوجّـهُ الذي يواكبُ مسالِكَ قوى الهيمنة والاستغلال العالمية للسيطرة على موارد وثروات الشعوب المستضعفة.
واليمنُ كواحدةٍ من هذه الدول فقد حصلت من صندوق النقد الدولي على قرضَين خلال الفترة (2011م – 2014م)، بدأت في إبريل 2012م، بقيمة 100 مليون دولار، ثم في سبتمبر 2014م، بقيمة 553 مليون دولار، والتي لا يُعرف حتى اللحظة مصيرها، غير أن صندوق النقد الدولي في أكثر من مناسبة قد انتقد بشدة حكومات تلك الفترة ووصفها بالفاسدة والفاشلة (حكومة باسندوة وحكومة بحاح)، واليوم ها هو الصندوق ذاته يسعى إلى تقديم قرض بقيمة 665 مليون دولار، لدولةٍ بلا هُــوِيَّة وحكومةٍ بلا وطن وشخوصٍ بلا شرعية، تحت مبرّرات واهية ودوافعَ زائفة لا ترقى بأن يصدّقها جاهل، لكن وعلى ما يبدو أن وراءَ الأكمة ما وراءها، ومسالك الحرب الاقتصادية على اليمن واليمنيين تأخُذُ طوراً جديدًا، وكما فشلت حربُهم العسكرية العبثية ستفشلُ حربُهم هذه، والعاقبة للمتقين.