عاصمة الخيام 1
لم تفشل ثورتنا? التي لم تتحرك مع بدء الربيع العربي? بل كانت قبله بسنوات? ولكن احتقان الشارع? انفجر مع انفجار الجو العربي العام.
فقبل تاريخ الثورة الشعبية? كان هناك مسار للثورة في كواليس الساسة? وفي حالة الاحتقان الشعبي? وفي التصعيد الميداني لعدد من النشطاء? برز كثير منهم بعد ذلك كقادة للثورة الشعبية.
والثورة طرحت سؤالا واحدا?ٍ على الجميع: ما هو مشروعك الثوري للتغيير?
خيام الصحفيين
كثيرون بقوا كما هم? ينظرون من مقايل القات? وحولوا الثورة إلى مقيل كبير? والخيمة إلى منتدى للحديث? وخرجوا من خيامهم الكبيرة قبل الثورة? إلى الخيام الصغيرة بعد الثورة.
وقبل الخروج إلى الخيام كان الاحتقان الشعبي في أوجه? ولم يكن في اليمن كتاب رأي يلتقطون اللهيب? ويهتمون بما يدور في المجتمع? فكانت الصحافة معزولة? تعيش في خيمة على قمة هرم زجاجي? ومغطى بالقش? تكتب فيقرؤها الصحفيون.
ولم يكن هناك قادة للرأي العام? فالتأثير الميداني لبعض الصحفيين ظهر مع الثورة? كثيرون لم يكونوا يعرفوننا كصحفيين? إلا حين أصبحنا في خيمة واحدة? وبدأنا بالحديث عن الهم المشترك? وكان هذا عيبا?ٍ صحفيا?ٍ قاتلا?ٍ.
ولعب الإعلام العربي المرئي دوره في إشعال الثورة اليمنية? مع شحة الإعلام المرئي اليمني? وهذا أيضا خطأ يجب تفاديه.
كصحفية? أجد أن مجتمع الإعلام كان مغلقا?ٍ على نفسه? في وقت كان عليه أن يقود التغيير إلى مجتمع حداثي -مدني.
ولكن الثورة احتاجت الخيمة الإعلامية? واستوعبت شبابا?ٍ بلا خبرة إعلامية? لأنها تحتاج للعمل وليس للتنظير? وخرج الصحفيون المحترفون عن المشهد الثوري رويدا.. رويدا? وعادوا إلى غرفهم الضيقة? على ذات القمة الزجاجية المغطاة بالقش.
كان المجتمع الحداثي المفترض يراقب ما يحدث في الشارع اليمني? بسخط وبرفض وبعزلة تامة? وكان له أعداء تقليديون “القبيلة –الإسلاميون -النظام”.
وطبيعي أن ت?ْلقى التهم على مراكز القوى التقليدية? لكن ما يمكن تسميته “بالحداثيين” في مجتمع غير حداثي? وهي تسمية عبثية? لم يكونوا قوة في المجتمع اليمني? وكانوا مجتمعا?ٍ داخل المجتمع? مصابين بأمراض كثيرة? أهمها اليأس من التغيير? ففي الحقيقة لا يوجد حداثيون في اليمن.
وكانت مفاجأة الربيع العربي أنه اعتمد على وعي وحماس البسطاء? الذين وحدهم كان لهم مشروع تغييري واضح? وبسيط جدا.. يتلخص بتنحية الرئيس? وظهروا مع الوقت بأنهم حداثيون أكثر من غيرهم? لأنهم كانوا فوق الصراع المشتعل? بين خيمة وأخرى.
المفكرون والصحفيون? قارئو الكتب السياسية المعقدة? والمجلدات التاريخية? يجزمون أنه لن يحدث تغيير لليمن إلا بإزالة كل القوى التقليدية دفعة واحدة? وهذا لم يحدث في أي من تاريخ الثورات? وكرسوا ساعات القات للجهاد في هذا الموضوع.
لقد كانوا من الوهلة الأولى عالما?ٍ غير مرئي? وحملوا فكرا?ٍ للتغيير مختلفا?ٍ عما طرحه الشارع? وحاولوا إظهار إيمانهم بالتغيير الثوري? وأنهم خرجوا من أول يوم? وكان لهم خيمة في الساحة? لكن اليمني البسيط كان يتحدث لغة أخرى? كان ينتظر تغييرا?ٍ اجتماعيا?ٍ? ثقافيا?ٍ? اقتصاديا?ٍ? لم يرشده أحد كيف يستغل بقاءه في الساحات ليجرب أن يصنع بيده ما يحتاجه في بيته.
المجتمع الحداثي المعزول? كانت خيمته بعيدة? وظل في ساحة الثورة غير مرئي وغير مؤثر? والطامة الكبرى أن أعداءه التقليديين ظهروا بقوة وبتأثير? والأهم بخيام كبيرة.. وبنفوذ يحرق القلب والأعصاب.
خيام القوى الكبرى
مراكز القوى التقليدية كانت موجودة وجاهزة ومنظمة? والوعي الشعبي الجمعي البسيط? لم يكن مهتما?ٍ بالمعارك بين مراكز القوى الصغرى والكبرى? كان متهما?ٍ بتوفير لقمة العيش? مع تغيير رؤساء الفساد? ولخص ذلك بأن يرى رئيسا?ٍ غير علي عبدالله صالح? وظهر هذا المطلب عند عامة المثقفين ساذجا?ٍ وبسيطا?ٍ.
لم توجد منذ البداية أية لغة مشتركة? بين خيمتين متجاورتين? ففهم اليمني البسيط ما يقوله الإسلاميون? الذين نزلوا إلى الشارع? وبقوا فيه? لأن الإسلاميين لهم عدو واحد هو علي عبدالله صالح? فكان الإسلاميون الأقرب للناس.
وبقيت خيام الإسلاميين متراصة? تهدد أية خيام أخرى بالبقاء. وكانوا يحملون ذات الهدف البسيط? أي إسقاط الرئيس وأولاده? ولم يصارعوا القوى التقليدية لأنهم جزء منها? بينما عمد الجميع إلى صراعهم? لأنهم يهددون بقاءهم? فاشتعلت الخيام.
كان من الطبيعي أن تفرز الثورة قوى جديدة? وهذا ما يحدث الآن? ويشكل صدمة للقوى التقليدية? ولكن مجموعة المثقفين لحد الآن لم يستطيعوا أن يأخذوا دورهم في قيادة المجتمع? أو يشكلوا قوة? وبرغم رفض القوى الكبرى? إلا أن القوى الصغرى ذكية وتوجد نفسها.
بقيت كل قوة على حالها قبل الثورة? القوي قويا?ٍ والضعيف ضيفا?ٍ? وعاصي والديه.. عاصي والديه… ويبقى المجتمع الحداثي الرافض للتغيير بهذه الطريقة? معزولا? ومتشائما? ويتحمل مسؤولية جنائية لا تسقط بالتقادم? بتركه خانة فارغة.. تحتاج لقادة ذوي وعي خاص.
وع