عجين صحفي
قال أحد الساسة اللبنانيين أن الأرقام في الوطن العربي وجهات نظر.. المعلومات بصورة عامة لدينا تقترب من التخمينات والرغبات والأمنيات أكثر من ملامستها لأوجه الحقائق وصور الواقع.
لا تقتصر العادة السيئة في التلاعب بالمعلومات – مجازا?ٍ- وقلبها? على مداولات المقاهي? ووسائل المواصلات? وجلسات القات. ولو كان الأمر كذلك فلا بأس أن يبث الناس ما في نفوسهم من باب أن الكبت الزائد يتحول إلى مرض نفسي. ولا توجد مشكلة في هذا. المشكلة بل أم المشاكل أن تصعد العادة إلى مؤسسات يناط بها صناعة رأي عام? وبالمقدمة الصحافة أكانت مقروءة أو مسموعة أو مرئية أو إلكترونية.
وللأسف أننا في وسائل الإعلام اليمنية? نوسع أزمة المعلومات? للحد الذي يتلقى المرء الخبر الصحفي ولا يستطيع معرفة ما إذا كان أمام خبر أو مقالة وأحيانا?ٍ يجد نفسه وكأنه يقرأ رواية بوليسية أو قصة غرامية? مشحونة بالانفعالات العاطفية. ويلاحظ المتابع انتشار ظاهرة غياب مصدر المعلومة لإعطاء المادة الإعلامية المصداقية? أضف إلى ذلك تهويل بعض المعلومات واعتبارها مؤشرا?ٍ خطيرا?ٍ في سياق ما? على طريقة “انقلاب عسكري” (سقوط جندي زمان من فوق حمار)? هذا بجانب عدم احترام الحق الأدبي والمعنوي لناشر المعلومة الأول? فنجد الصحف والمواقع والفضائيات تنقل خبرا?ٍ يوحي للمتلقي أنه خاص? فيما هي في الواقع أخذته من وسيلة إعلامية أخرى.. إلى جوار ذلك نعاني في صحفنا من أزمة خبراء ليس لأنهم غير موجودين? بل لأن الصحفيين يمسكون اختصاصيا?ٍ في مجال معين? ويعتبرونه حلال المشاكل أيا?ٍ كانت مثل المسكن المتداول “برمول” لكل الأوجاع لذا نجد ذات الوجوه تتكرر في مختلف الوسائل بصرف النظر عن صلتها بالموضوع.. وغيرها تجاوزات لا تخدم حق الجمهور في الحصول على معلومة صحيحة يبني عليها رأيا?ٍ وموقفا?ٍ تجاه القضايا المطروحة.
مفاهيم عديدة تتخلل الأداء الصحفي? تؤثر في دورة انتقال المعلومات من المصدر إلى المتلقي النهائي? وعرفت النظريات الإعلامية إصطلاحات “التشويش”? “حارس البوابة”? “السياسة الإعلامية” التحريرية تحديدا?ٍ? التي يتجلى تأثيرها في “فلترة” المعلومات? وانتقاء ما يناسب سياسة الوسيلة? وحجب ما يتعارض معها. وكل هذا مقبول طالما أن هناك معلومات تصل للملتقي? وإن بشكل مجتزأ? لأن اختلاف السياسات الإعلامية للوسائل يتيح التقاط أكبر كم من المعلومات بشأن حدث معين. كما أن الصحفي اليوم يتمتع بحرية أكبر تمكنه إلى حد ما? من مقاومة وتقليل تأثير حارس البوابة? والتشويش? يساعده في ذلك التطورات التقنية في مجال تداول المعلومات. ولعل مشكلة الصحافة والصحفيين لدينا لا علاقة لها بالنظريات الإعلامية? بقدر صلتها بما يمكن تسميته بظاهرة ضعف استشعار مسؤولية الكلمة المنشورة? ودورها كوسيلة تساعد الرأي العام على بلورة اتجاهات سديدة إزاء القضايا المعتملة.
عند بعض الصحف والوكالات الغربية تقاليد في التعامل مع المعلومات? من بينها على سبيل المثال اشتراط عدم نشر المعلومة إلا إذا أتت من مصدرين على الأقل. وأكثر من ذلك التشديد على أن تكون حتى المعلومات الصحيحة في سياق سليم لا يشوه الواقع? مثلا?ٍ انتقد أحد كبار الصحفيين في الاندبندنت صحيفة أخرى? قال أنها لم تتحصل في أحد الإصدارات على خبر رئيسي? فقامت بجمع كل الجرائم التي حدثت ذلك اليوم ووضعتها في تقرير إخباري.
كانت المعلومات كلها صحيحة? ووجه نقده للتقرير أن معلوماته وضعت في سياق يوحي للقارئ بأن البلد – وهو أوروبي- في فوضى أمنية عارمة? وهو عكس الواقع? أما لدينا فحادث عرضي نقرأه في صحيفة? ويخيل إلينا أن مستقبل البلد وتاريخها مرهون بذلك الحادث ولا أريد ضرب أمثلة لكثرتها? وحفظا?ٍ لماء الوجوه..
صارت الصحافة عندنا بحاجة ماسة لمواثيق وعهود شرف حتى على مستوى كل وسيلة إعلامية احتراما?ٍ لعقول لناس بل ولإنسانيتهم التي تهدر معنويا?ٍ على أيدي بلاطجة الصحافة مع كل التقدير والامتنان لأقلام شريفة ونزيهة ومهنية نتعلم منها كمبتدئين في هذه المهنة السامية.