أبناءُ المهرة الأحرار يستحقّون التحية
بقلم/ أ. د. عبد العزيز صالح بن حبتور*
تابع الرأي العام، يمنياً وعربياً، وحتى أجنبياً، ذلك الزخم الكبير الذي فجَّره أبناء محافظة المهرة في مسيرتهم الجماهيرية الوطنية الضخمة، يوم الجمعة، الموافق فيه 20 أغسطُس 2021م. كانت حشوداً منظَّمةً بحق، ومرتَّبة الحركة. وكانت السِّمةُ الأبرز هي الروحَ الوطنية اليمنية الطاغية على المشهد. كيف لا، ونحن شاهدنا آلاف الأحرار، من أبناء شعبنا اليمني العظيم من أبناء المهرة، لا يردّدون سوى الشعارات التي تنضح بحب اليمن وعزته وحريته، ولم يرفعوا سوى راية اليمن الموحَّد، وشعارات مقاومة العُدوان، بالإضافة إلى رفع عَلَم سلطنتهم القديمة ورايتها، في زمن السلطان بن عفرار الوطني.
محافظة المهرة، البعيدة عن العاصمة صنعاء، والبعيدة عن العاصمة الاقتصادية عدن، لم تَدُر فيها أي معركة مباشِرة بين القوى الوطنية اليمنية، من الجيش واللجان الشعبيّة، من جهة، وبين قوات الاحتلال السعوديّ- الإماراتي- الأمريكي ومرتزِقتها وعملائها، من قوات الرئيس المنتهية ولايته، وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي التابع لمشيخة الإمارات، من جهةٍ ثانية. ومع ذلك، نجد أبناء محافظة المهرة يصطفّون صفّاً واحداً في وجه العُدوان، مع معرفتهم بأن أراضيَ محافظتهم تُستباح في تلك اللحظة من جانب القوّات المسلَّحة الغازية للمملكة السعوديّة، مضافاً إليها قوات احتلال جديدة، هي طلائع من القوات البريطانية.
لاحظ المراقب، محلياً وعربياً وخارجياً، ما جرى ويجري من حشود جماهيرية ذات طبيعة مقاوِمة للعُدوان، من خلال كلمات خطابات المتحدّثين الأبطال ومفرداتهم، وَأَيْـضاً ما كُتِب في اللافتات من شعارات وجمل تنضح منها الروح الوطنية اليمنية الصادقة. كما كانت الأهازيج و”الزوامل” والشعارات المهرية، والتي زمجر بها أبناء المحافظة جميعها من دون استثناء، تصدح بمعاني القِيَم الوطنية الوَحدوية اليمنية المقاوِمة للعدوان البغيض؛ أي أنَّنا كُنّا أمام لوحةٍ فنية فولكلورية يمانية ثورية مقاوِمة، رفعت صوتها بشجاعة لتصل إلى عنان السماء من دون خوف ولا وَجَل، وليَسمعَ العالم أجمع ذلك الموقفَ الحُرَّ.
ما هو الفارق الجوهري بين مهرجان المقاومة المهرية ومثيلاته، من المهرجانات التي نُظِّمت في عدد من المحافظات الواقعة تحت الاحتلال السعوديّ- الإماراتي- الأمريكي؟
أولاً: شاهد المراقب المحايد، محلياً وعربياً وأجنبياً، أنَّ المهرجانات والاحتفالات والمَسيرات، التي تمَّ تنظيمها حتى الآن من جانب المجلس الانتقالي الجنوبي، بالتعاون مع ما يُسمَّى “القوّات الشرعية” الهاربة من اليمن، في كُـلّ من عدن والضالع وتعز ويافع ولحج ومأرب وحضرموت الساحل والحديدة، وحتى في مدينة زنجبار، أنها، جميعها، ترفع أعلام دُول العُدوان وراياتها، من دون استثناء، مع صور زعماء تلك البلدان، أي أنَّك تُشاهِدُ المهرجان الجماهيري يمتلئُ بصُوَر الملوك والأمراء والمشايخ، كأنَّك تُشاهد المهرجان في ساحةٍ أجنبية بعيدة عن أراضي الجمهورية اليمنية.
ثانياً: حينما تقرأ الشعارات المكتوبة في اللافتات في ذلك المهرجان، تجدها تُمجِّد الدعم الذي يقدّمه أعداء اليمن وتمدحه. شعارات مكتوبة بحبر الخزي والعار، ملوَّنة بالسقوط، أخلاقياً وقِيَمياً ووطنياً وإنسانياً، إذ من الاستحالة على أي يمني حُرّ غيور على وطنه أن يلتفت إلى شعار يُمجَّد فيه عدوُّ اليمن، ليحمله عدد من البسطاء على أكتافهم وهم لا يدركون خطورة ما كُتِب وسفاهته، من تمجيد لعدو الشعب اليمني، الذي قتل الأطفال والشيوخ والنساء، ودمّـر بُنيتهم التحتية، وحاصره طوال أكثر من سبعة أعوام عجاف مرَّت على الإنسان اليمني الصابر والمجاهد.
ثالثاً: يظهر مُقدِّم المهرجان الخطابي بورقة برنامج الحفل مثقَلة بجميع حروف آيات الشكر والامتنان وكلماتها، لدُول العُدوان. ويسترسل في كَيل المديح والتزلّف الهابط لها على ما صنعته. وفي مُقدِّمة ما أنجزه الأعداء هو تحرير محافظاتهم من أفراد الجيش اليمني البطل، ومن أفراد أمنه العام البواسل، ومن الصناديد والصماصيم لدى أفراد اللجان الشعبيّة المجاهدين. كيف يستقيم مثل هذا الخطاب الانهزامي الأعوج مع منطق العقل؟ كيف سيفهم الرأي العام هذا الخطاب الانبطاحي المهزوم أمام الأعداء الذين يرزحون فوق التربة اليمنية الحرّة؟
رابعاً: في الأزمنة العصيبة التي تمرّ على الأفراد والجماعات والقوميات، يَظهر للعيان المعدنُ الصلب والأصيل لهؤلاء البشر، ومن بين تلك المعاناة يتعلَّم الآخرون من تلك الدروس التي يعرضونها كأرقى معاني الوطنية والكبرياء، ليتعلَّم منها الآخرون. وهُنا، نوجِّه دعوةً صادقةً إلى أبناء المحافظات التي ترزح تحت أقدام المحتلّين الجدد، مَفادُها أن يتعلَّموا من أبناء المهرة الوطنيين الشجعان معانيَ الشرف والعزة والكرامة والكبرياء، وهي لَعمري مدرسة ثورية يمنية جديدة ظهرت مع بدء العُدوان الحالي على اليمن.
خامساً: من المهم أن نتعلَّم جميعاً من دروس الرموز الوطنية لحركة المقاومة الوطنية اليمنية، التي قاومت ودافعت عن تراب اليمن العزيز، بدءاً بالغزو الروماني القديم، مُرورًا بالاحتلال الحبشي، والبرتغالي، والبريطاني، والسعوديّ، والتركي، ومؤخّراً الأعْرابيّ الذي يحاول تدنيس أرض اليمن السعيد. كُـلّ الغزاة انتهوا ومعهم المرتزِقة التافهون الذين خدموهم في فترة الاحتلال، وبقيَ اليمن ثابتاً شامخاً.
سادساً: كنت أتمنّى أن يكون القائد العمالي، الرفيق عبدالفتاح إسماعيل الجوفي، والقائد الثوري الكبير علي أحمد ناصر (عنتر)، والسياسي الدبلوماسي المحترف محمد صالح مطيع اليافعي، كنت أتمنّى لو أنَّ هؤلاء الشهداء حاضرون بيننا، ويشاهدون معنا ذلك السقوط المريع لعدد من قادة الحزب الاشتراكي اليمني، الذين تحوَّلوا إلى متسوّلين صغار يعيشون إلى موائد اللئام في مدينتي الرياض وأبو ظبي، وشاهدوا تلك الشخصيات اللامعة من قيادات يافع والضالع، وهي تتحوّل من أقصى اليسار الثوري إلى مرتزِقة مأجورين يَتْبعون مشايخ الإمارات العربية المتحدة.. ماذا عساهم قائلين؟!!!
سابعاً: علينا، من الآن فصاعداً، تعليم الأجيال اليمنية المستقبلية وتدريسها مبدأَ تحريم التعامل مع العدوّ الخارجي الغازي للوطن، أَو تقديم أي خدمات إليه أَو التعاون معه؛ لأَنَّ جميع مصادر التاريخ تقول إنَّ العُملاء والمرتزِقة لا قيمة لهم لدى الأجنبي الغازي والمحتلّ. وشاهدنا جميعاً، في هذا الأسبوع وعبر الفضائيات العالمية، كيف أنَّ جنود الجيوش والأرتال العسكرية والأمنية، من الأمريكيين والأُورُوبيين، من حِلف شمال الأطلسي (“الناتو”) غادروا من مطار كابول الأفغاني الدولي، جماعاتٍ وفرادى، محمَّلين بحقائبهم وبأبنائهم وأُسرهم، حاملين معهم كلابَهم وقططهم الأليفة، وتاركين خلفهم في أرض المطار مُعظم المتعاونين معهم، أي أنَّهم فضَّلوا حيواناتهم على عُملائهم ومرتزِقتهم. هذا درسٌ بليغ يجب أن يتعلَّم منه العالم أجمع. يا لهول صعوبة الدرس وقساوته على الأسوياء من بني البشر.
الخلاصة: ما دام هناك مصالح متناقضة في هذه الحياة، وفي الكرة الأرضية، فسيستمرّ موضوع ــ وحكاية ــ الغزو والاحتلال الأجنبيَّين القويَّين للغير. وبالتالي، سيكون هناك خونة وعُملاء ومرتزِقة لهذا الغازي لأرض الغير. إذن، تربية الأجيال المتواصلة على مبادئ الأخلاق الدينية، والقِيَم الرفيعة، والشَّرف، والوطنية الحقَّة، هي المرادفُ للظاهرة المثارة هنا.
﴿وَفَوْقَ كُـلّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾
* رئيس مجلس الوزراء