دروس من مدرسة عاشوراء
بقلم / بلقيس علي السلطان
تأتي الذكرى السنوية لفاجعة كربلاء كمحطة تعبوية وتوعوية هامة نستلهم من خلالها الدروس والعبر التي ترشدنا وتبصرنا بأهمية مقارعة الطغاة في كل زمان ومكان وبأن الطغاة مهما عظم جبروتهم واستكبارهم فلن يعظم أمام قوة الله وجبروته .
نشأ الحسين عليه السلام في حجر الرسول الأعظم محمد صلوات الله عليه وآله واستقى منه الإيمان والدين الخالص ونهل من نهر النبوة أهمية الحفاظ على الدين وإعلاء كلمة الحق ومقارعة المنافقين والطغاة كما ترعرع على يد والده الإمام علي عليه السلام الذي أخذ منه القوة والشجاعة ورباطة الجأش
أما أمه فاطمة الزهراء سيدة النساء فقد أرضعته العزة والكرامة وعدم الرضوخ والذلة أمام الطغاة فكان كل ذلك كافيا لأن يجعله يقف بكل قوة وعنفوان أمام الطغيان الأموي الخبيث ويصرخ في وجههم بكل عزة (بهيهات منا الذلة ) .
عظم على الإمام الحسين وحز في نفسه ماوصلت إليه الأمة من ضياع وانحلال وبعد عن الدين الحق الذي أرسى دعائمه جده الني الخاتم محمد صلوات الله عليه وآله فخرج محاولا إعادة الناس إلى صوابهم والإصلاح فيهم فبدأ بتوعيتهم ووعظهم وتنبيههم إلى الضلال الذي انغمسوا فيه وماكان ذلك ليروق لطغاة بني أمية الذين جعلوا دين الله دغلا وناسه خولا وماله دولا فباتوا يتربصون بآل بيت رسول الله ويلحقون بهم الأذى وينتظرون الفرصة المناسبة لقتالهم وحربهم وهذا ما كان .
وصل الإمام الحسين عليه السلام مع أهله إلى كربلاء بعد موعدة وعده إياها أهل العراق بمناصرته والوقوف إلى جانبه لكن مكر بني أمية كان قد وصل ذروته وسبق الإمام الحسين إلى كربلاء فأعدوا عدتهم وجيشهم وحاصروا الإمام الحسين مع أهله في حرب إبادية بشعة شملت الحصار والتجويع وقطع الماء والقتل بأخبث صوره فلم يستثنَ حتى الطفل الرضيع أو الجريح حتى وصلوا إلى الإمام الحسين ومزقوا جسده الطاهر بنبالهم وسهامهم وداسوا عليه بخيولهم وزادوا على ذلك بقطع رأسه الشريف !
كل ذلك لأنه أراد لهم الرشاد لكنهم ابتغوا الضلال لأنه أراد لهم النجاة والصلاح لكنهم أرادوا الهلاك والفساد فكان له الإرتقاء الخالد في عليين وكان لهم السقوط الساحق مع المنافقين والكفرة والظالمين .
لقد تركت لنا حادثة كربلاء دروساً وعبراً نتخذها كمنهاج حياة
فعلمنا الحسين أن لا نصمت ونقول كلمة الحق في وجه الطغاة مهما كلف الثمن فما دمنا في الطريق الحق فالنصر سيكون حليفنا
علمنا الحسين أن لا نرضى بالذلة والاستكانة وأن الشهادة في سبيل الله عز ورفعة والحياة مع الظالمين خنوع وذلة .
علمنا الحسين أن الصبر والاحتساب من شيم المؤمنيين فمهما تعاظم الكرب واشتد البلاء فإن العاقبة دوماً للمتقين .
علمنا الحسين بأن نصمد في وجه الظالمين حتى أخر رمق وألا نهتز أو نتقهقر ونتراجع مهما كانت أساليبهم وطرقهم الخبيثة في الحرب والقتال .
علمتنا زينب أن التضحية في سبيل الله وفي سبيل إعلاء كلمته يجب أن تقابل بالصبر والاحتساب عند الله وبأن مقارعة الظلم طريقها شائك تتطلب الصبر والجلد .
علمتنا زينب بأن الطغاة مهما أرتفع صوتهم وبانت حجتهم فإن صوت الحق لا يُعلى عليه وبأن حجة الله هي الأوضح والأبين.
علمتنا ثورة الحسين بأن الطغاة مهما عظم طغيانهم فلا بد لهم من نهاية مخزية وبأن الحق مهما حاول الطغاة طمسه فلا بد له من رجال مؤمنيين يرفعون رايته حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة المجرمين هي السفلى وبأن الذلة هي لباس الخانعين والخاضعين والعزة رداء المؤمنيين الصادقين وبأن العاقبة دوماً للمتقين .