ربيع الولاية
بقلم/ يحيى المحطوري
بعد عشر سنوات على حلول الربيع العربي على منطقتنا العربية ، والذي استحال إلى صيف ملتهب في بعض البلدان ، أو إلى صقيع شتاء متجمد في بلدان أخرى
وبين وصفه بالمؤامرة الغربية من الكثير ووصفه بالصحوة الإسلامية من أطراف أخرى
وبعد ما حدث مؤخرا في تونس من أحداث مشابهة لما حدث في مصر ، أجد من المهم الكتابة عن ربيع اليمن وما تميز به عن غيره من الدول قيادة ومشروعا وشعبا.
فرغم العدوان الكوني على اليمن منذ سبعة أعوام ، لكن القوى الإقليمية لم تتمكن من وأد الثورة اليمنية التي تمضي قدما في التغيير على كل المستويات فكريا وثقافيا واجتماعيا رسميا وشعبيا
وإضافة إلى الحفاظ على مؤسسات الدولة من الانهيار الذي أراده الخارج بعد انتصار الثورة في 2014م ، فقد نجحت الثورة في اليمن في المضي قدما في إصلاح وتفعيل مؤسسات الدولة بما يحقق طموحات الشعب ويحد من نفوذ القوى الانتهازية التي تسلطت عليه منذ عقود ونهبت ثرواته وجعلته تحت هيمنة الوصاية الخارجية.
وحافظت الثورة في اليمن على تصاعد الزخم الشعبي المؤيد لها بموازاة المحافظة على تماسك الجبهة الداخلية والتوافق مع بقية المكونات لمواجهة العدوان كأولوية
وما شهدناه بالأمس من احتفالات مليونية بذكرى ولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام بالشكل الذي لم يسبق له مثيل في تاريخ اليمن
يعتبر من أبرز الدلائل على التحام الثورة اليمنية بالشعب في كل المحافظات ، وأن قيادة الثورة وطليعتها من النخب والقيادات لم تعزلهم مواقع المسؤولية في سلطات الدولة عن التحرك الشعبي الذي كان من أبرز عوامل القوة في نجاح الثورة في قيامها وفي تصديها للعدوان الكوني لمدة سبعة أعوام.
في مصر وتونس وصلت ثورة الإخوان بجماهيرها ومكوناتها إلى مآزق كبيرة ، رغم أنها لم تواجه ما واجهته ثورة اليمن من تآمر دولي وعدوان عالمي.
الثورة في اليمن ، تميزت عن بقية النماذج بقيادتها الحكيمة التي استطاعت التدرج في خطوات التغيير للواقع سواء في بنية الجيش اليمني ونقله من موقع الدفاع السلبي المتراجع في بداية السنوات إلى موقع الصمود والقدرة على فرض معادلات الردع ، أو في استمرار التحرك الشعبي الثوري بموازاة الحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية والتوافق مع بقية المكونات الأخرى.
لقد تميزت طليعة الثورة اليمنية وقيادتها بالحرص على مصالح الشعب ولم يترسخ في ذهنياتهم وتربيتهم التنافس على المناصب أو البحث عن المصالح الشخصية
ولديهم القدرة على التأثير شعبيا سواء في مناصب السلطة أو من خلال علاقتهم الوطيدة بالشعب ، على عكس توجه الاخوان المعروف عنهم بالعشق للسلطة وعدم القدرة على التماسك والثبات والاستمرار بعيدا عنها
لم تركز قيادة اليمن على الاستئثار بمؤسسات الدولة بقدر ما ركزت على استصلاحها ، وهذا أثر بشكل كبير على إعادة تفعيلها في تعزيز عوامل الصمود والتماسك الداخلي.
ركزت الثورة في اليمن على العمل على صناعة القناعات الحقيقية لدى جماهير الشعب ، والعمل الثقافي والتوعوي في أوساطهم ، وهذا أثر بشكل كبير على ثبات خطواتها في التغيير المتدرج ، وعدم قدرة النظام السابق بجناحيه وبكل الدول الإقليمية المساندة لهما على الالتفاف عليها من جديد ، أو خداع الشعب وضرب معنوياته ، وإلهائه عن تحركه الصحيح نحو التغيير المنشود .
ورغم ما شنه الأعداء من الدعايات والتضليل على مناسبة ذكرى الولاية ، وأنها طائفية وأنها تخص فئة دون غيرها ، إلا أن الشعب اليمني أثبت من جديد انسجامه الكامل مع مبادئ ثورته القرآنية وعقيدتها الإسلامية وهويتها الإيمانية
وأثبت حكمة قيادته التي تحركت في تصحيح الثقافات والمفاهيم قبل التركيز على شكليات السلطة أو شكل النظام أو أي تغيير سطحي ينهار سريعا بمجرد تغير الظروف الإقليمية المحيطة به.
إنها ثمرة بسيطة من ثمار مبدأ الولاية وشاهد أكيد على أنه الخلاص الوحيد لكل الشعوب العربية من سلسلة الهزائم النفسية والثورية والفكرية التي منيت بها طوال العقود الماضية..
والعاقبة للمتقين..