عن عدو السلام ورعاة العدوان والإرهاب
بقلم/ عبدالرحمن الاهنومي
بعد صعود ترامب بأقل من أسبوع، خرج سلفه أوباما بتصريحات حذر فيها من أن «القيم الأمريكية في خطر» ، معبرا عن خوفه من طريقة ترامب في إدارة القضايا وحديثه المثير للعرقية والعنصرية ، غير أن الحقيقة المطلقة هي أن أمريكا بلا قيم أساسا ، كانت مشكلة ترامب في الخطاب والتعبير عن أمريكا وسياساتها ، لا في السلوك والنهج والاستراتيجية، إذ أن بايدن وبعد أشهر من صعوده لم يغير من سلوك أمريكا الإجرامي ويجعل منها دولة تحب السلام للبشرية والهدوء والاستقرار للعالم بعدما كانت منظومة استعمارية ناهبة في عهد سلفه..أمريكا ما تزال هي أمريكا التي تنهب وتستعبد وتقتل وتشن الحروب وتفرض العقوبات وتستبد بالحريات وتحاصر الشعوب وتنهب خيراتها.
السياسة الأمريكية ليست تلك التي تقال على لسان المسؤولين الأمريكيين، بل ما يترجم في الواقع من سلوك إجرامي مروع ، ونهب وابتزاز وفوضى وإشعال مزيد من التوترات والحروب والفظاعات والفوضى والمآسي والجوع ليس في اليمن فحسب، بل في العالم كله.
بداية العام الحالي تعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن بوقف شحن الأسلحة التي تستخدم في العدوان على اليمن، وإنهاء الحرب والعمل على تحقيق سلام وتسوية شاملة، كرر بايدن أحاديثه في أكثر من خطاب ومناسبة ، متعهدا بأنه ذاهب إلى إيقاف الحرب المتواصلة أكثر من ستة أعوام..
وفي بداية فبراير لهذا العام عين بايدن مبعوثا أمريكيا يدعى «ليندر كينج» كمبعوث خاص لشؤون اليمن ..
لكن وعلى عكس ما قاله بايدن وإدارته ومسؤولوه فمنذ بداية العام شهدت اليمن تفاقما في الأزمة الإنسانية ، وتصاعدا في المجاعة والأمراض ، فقد أغلقت سفن الحصار الأمريكية السعودية المشتركة- الموانئ اليمنية تماماً أمام سفن الشحن التجارية التي تحمل الوقود والغاز والأدوية والأغذية ، بعدما ظلت لسنوات يسمح لها ببلوغ موانئ الحديدة بعد إمضائها فترات احتجاز متراوحة عرض البحر.
وللمفارقة ما أسفرت عنه تصريحات بايدن وتحركات مبعوثه تعد تأثيرات معاكسة تماماً، صحيح أن تصريحات بايدن أوجدت أجواء إيجابية حينها ، لكن تأثيراتها المعاكسة في الواقع أثارت مخاطر أسوأ أزمة إنسانية في العالم حتى بلغت ذروتها بعدما توقفت قطاعات الإنتاج والنقل والصحة والمياه والكهرباء عن العمل بفعل انعدام الوقود الممنوع دخوله بقرار أمريكي.
لا يمكن لأمريكا التي نعرفها أن تكون راعية لسلام أو تسويات ، هي بالسياسة تسعى لفرض ما يخدم مصالحها في الهيمنة والنهب والاحتلال ، وبالبلطجة والحرب والقوة تسعى لنفس الأهداف ، في الحرب على اليمن ظهر ترامب مراراً يطلب من السعوديين الأموال وعبر بوضوح أن أمريكا تشن حربا على اليمن لأنها تحصل على أموال هائلة من السعودية ، وهي الحقيقة الواضحة ، صعد بايدن وأطلق تصريحات وتعهدات حول وقف بيع السلاح وإيقاف الحرب على اليمن ، كمحاولة لتعميم مذهب أنه غير ترامب وأن أمريكا ليست ما صورها ترامب أنها تاجرة حروب والهدف من تلك التصريحات إتاحة مجالات أوسع للتلاعب والحركة والتحكم ليس في مسار الحرب العسكرية بل وفي المفاوضات السياسية التي أمسكت بزمامها بشكل أكثر من ذي قبل.
لا يوجد عائق أمام تحقيق السلام في اليمن ، ستتوقف الحرب عندما تقرر أمريكا ذلك ، سيتحقق السلام عندما تقرر أمريكا ذلك ، السلام مستحيل أن يتحقق على يد عدو السلام ، وحتى الآن أدت سياسة الإدارة الأمريكية الحالية إلى مضاعفة الحرب العدوانية على اليمن ، دون أن تلوح لها نهاية في الأفق ، إن أمريكا عدو للسلام في اليمن وراعية حرب على اليمن.
مشكلة ترامب في نظر الأمريكيين أنه عبر بكل وضوح عن البلطجية والبطش والابتزاز والسرقات والنهب والسيطرة والعبث الأمريكي في العالم ، ومارس فرضها جهراً ، وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن بايدن قال إنه يرغب في وقف الحرب على اليمن والسماح بالتوصل إلى تسوية سلام ، لكنه فعل عكس ذلك تماماً.
المشكلة في أمريكا ذاتها، بل إن أمريكا هي عدو البشرية كلها ، ذلك أنها تفعل الشيء ونقيضه في المكان الواحد وفي القضية الواحدة تلبس المجرم ثوباً غير ثوبها ، وتظهر في شكل المنقذ ، وهو ما تمارسه في السياسة حين تدعي مراراً وتكراراً وتدفع بمبعوثها المدعو ليندر كينح للذهاب والعودة إلى المنطقة لأكثر من عشرين جولة في مهمة تحقيق السلام كما تزعم ، لكنها في التفاصيل تفرض استمرار العدوان على اليمن واستمرار الحصار والجوع وانقطاع المرتبات وقرصنة السفن ، تقدم صيغاً كلامية متعددة للحلول لكنها تعبث بالتفاصيل، والشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال..