التشريعات وأثرُها على ضعف الاقتصاد الوطني
بقلم/ الدكتور يحيى السقاف *
علاقةُ الدستور والقوانين بالاقتصاد مهمة للغاية، فكيف يمكن للمشرع أن يضعَ ويصدر الأنظمة والقوانين الاقتصادية دون أن يكون لديه خلفية اقتصادية كافية؟!، والمرحلة المقبلة تتطلب مواكبة المنظومة التشريعية والقانونية للمتطلبات والطموحات الاقتصادية، حَيثُ لا يمكن القيام بالنشاطات الاقتصادية إلا من خلال إطار قانوني يسمح بذلك، فالقانون ينظم العلاقات والعقود التجارية ويفض المنازعات بين الأفراد والجماعات والدول، وبالمقابل فَـإنَّ القانون يعكس الظروف الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع، وعندما يضع المشرِّعُ المبادئَ القانونية يأخذ بالاعتبار الظروفَ والعلاقاتِ الاقتصادية القائمة وَإذَا كانت هناك مقولة بأن السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة فَـإنَّ التغيرات المذهلة عالميًّا ومحليًّا في الفترة الأخيرة أثبتت أنه لا يمكن الحديث عن القانون بمعزل عن الاقتصاد أَو العكس.
وفي مقابل ذلك، انتهجت الجمهورية اليمنية سياسة اقتصادية تقوم على أَسَاس آليات السوق ورفع مستوى إسهام القطاع الخاص في الاقتصاد وإعادة تحديد دور الدولة في النشاط الاقتصادي، بحيث يصبح دور الدولة دوراً تصحيحياً وإشرافياً والعمل على إرساء قواعد القانون والبناء المؤسّسي وإزالة المعوقات التي تواجه القطاع الخاص وتأمين الاستقرار الاقتصادي، حَيثُ نص الدستور اليمني في الفصل الثاني منه على الأسس الاقتصادية، واشتملت على 17 مادة تؤسس وتنظم عملية الاقتصاد الوطني، حَيثُ يقوم على أَسَاس حرية النشاط الاقتصادي وبما يعزز الاستقلال الوطني، وَأَيْـضاً ما جاء في مسودة الدستور التي تم إعدادها في مؤتمر الحوار الوطني، فقد تطرق أَيْـضاً في الفصل الثاني منه إلى الأسس الاقتصادية واشملت على 26 مادة تطرقت إلى تفاصيلَ أكثرَ من السابق لتنظيم الاقتصاد الوطني، جاء في مجملها أنه اقتصاد حر واجتماعي، غايتُه تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وزيادة الإنتاج والرفاه الاجتماعي، ويقوم على حرية النشاط الاقتصادي والعدالة الاجتماعية وتعددية القطاعات الاقتصادية العامة والخَاصَّة والمختلطة والتعاوني وحرية المنافسة فيما بينها وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص؛ لتحقيق التنمية الاقتصادية والشفافية والحوكمة الرشيدة في أداء كافة القطاعات الاقتصادية وإجراءات أُخرى تعزز الاقتصاد.
وما ذُكِرَ في الدستور الحالي بالأسس الاقتصادية المشمولة فيه لم يحدّد بالقدر الكافي الضوابط لتوجّـهات الاقتصاد اليمني ولم يحقّق تطلعات اليمنيين للوصول إلى اقتصاد قوي ويلبي متطلبات وحاجات الشعب، إضافة إلى الحرب الاقتصادية منذ عقود لتدمير الاقتصاد اليمني والدوان والحصار، فهي معوقات تضاف إلى القصور والاختلال في التشريعات القانونية والهيكلية، وهو ما يستوجب إعادة صياغة جديدة للدستور القديم بما يواكب التطورات الاقتصادية في العالم وينافس الدول المتقدمة بالوصول إلى تنمية اقتصادية ومستدامة والانتقال إلى الزيادة القصوى للإنتاج والتصنيع المحلي بجميع أشكاله، وَأَيْـضاً على إعادة النظر في التشريعات المالية والنقدية والاقتصادية، بما يهدف إلى توسيع مجالات الأنشطة الاقتصادية واستقطاب رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية ومجال الاقتصاد، والدستور يشرح اختيار مجموعة بديلة من القواعد القانونية التي تهتم بإضفاء الشرعية على الدولة وأفعالها؛ باعتبَارها أفضلَ وسيلة لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة والمنفعة والحكم على الظروف أَو القواعد التي تحقّق الكفاءة.
والقانون الدستوري هو مصطلح لا يتداول كَثيراً لدينا رغم أهميته؛ لأَنَّ أُمَّ المشكلات تبدأ من الدستور وَإذَا كان السوق فيه تبادل للمنافع والسلع وفقاً للإرادَة الحرة للناشطين في السوق دون إكراه وتعسُّفٍ فَـإنَّ السياسة فيها تبادُلٌ للحقوق والسلطات، والاقتصاد الدستوري قد اهتم بتحليل الدستور من وجهة نظر اقتصادية، وهل هو قادر على تسهيل عملية تبادل المنافع والسلع وعلى إنتاج تنمية اقتصادية، وعلى تقييم ذلك فَـإنَّ مجتمعنا بحاجة إلى دستور جديد يتأسس على تنظيم الدولة وفق مبدأ الفاعلية الاقتصادية، بناءً على الكفاءة في تحقيق سهولة التبادل للمنافع والخدمات، ويعتبر الدستور إطاراً لتنظيم العلاقات التبادلية، وهو أول وثيقة تدل على أن هذا المجتمع قادر على إنتاج الثروة.
ومن الضروري التحَرُّكُ إلى بناء اقتصاد قوي، من خلال تغيير المفاهيم الاستعمارية المغلوطة في جميع المجالات المالية والاقتصادية والقانونية والسياسية والاجتماعية… إلخ، حَيثُ إن القواعد القانونية السابقة أثبتت فشلها في تنظيم الاقتصاد الوطني وضرورة القيام بالإصلاحات الاقتصادية في إطار منظومة قانونية تعطي حرية أكبر للاستثمار والمنافسة وتتبني مبدأ حرية المنافسة في التجارة والصناعة ولا يستقيم ذلك إلا من خلال أهداف وبرامج وسياسات ومعالجات ضرورية وإصلاحات في المنظومة القانونية الاقتصادية وتنفيذ بعض الاقتراحات لدعم وتعزيز النصوص الدستورية والقانونية المتعلقة بالاقتصاد، ومنها ضرورة إضافة عدة نصوص في الدستور والقوانين تتعلق بتقليص الدولة في التدخل المباشر في النشاط الاقتصادي وتلغي الاحتكار وتشجّع الاستثمار وإنشاء المؤسّسات الخَاصَّة دون تقييد لحريتها في ممارسة الصناعة والتجارة مع استمرار حق الإشراف والرقابة والمتابعة للأجهزة المختصة بالدولة، بحسب القوانين التي تنظم ذلك، وكذلك ضرورة إصدار قواعد قانونية تؤدي إلى مخرجات تخدم الاقتصاد والتنمية في البلد وبما يؤدي إلى التقليل من حجم البطالة والموازنة بين حجم الصادرات والواردات ومراجعة وَإصدار النصوص في الدستور والقوانين التي تتعلق في الاستثمار وفتح العديد من النشاطات الاقتصادية وَتحديثها أولاً بأول وفق المجريات الجديدة الحاصلة في الاقتصاد واحتفاظ الدولة ببعض القطاعات الحيوية فقط التي تعمل عليها بعض الدول الرأسمالية، ووضع نصوص قانونية تختصُّ بالأسعار وتنتقلُ إلى إلغاء أَو تعديل النصوص السابقة، بما يترتب عليه تحديد أسعار حرة للسلع والخدمات تعتمد على قواعد المنافسة وفق مبدأ العرض والطلب وَصدور قوانين تختص في النقد والقرض وتكريس مبدأ المنافسة في قطاع البنوك ووضع قانون لا يميز بين البنوك التجارية الخَاصَّة والبنوك العامة وخضوعها لقانون واحد ووضع تشريعات لإصلاح مكانة القطاع الخاص في عملية التنمية وإلغاء كُـلّ الإجراءات التنفيذية الخَاصَّة بتوجيه القطاع الخاص من الناحية القانونية، حَيثُ تصبح العلاقات الاقتصادية تنظم بموجب قواعدَ مرنة والسماح للقطاع الخاص بأن ينافس القطاع العام واقتراح تشريعات تنص على حرية التجارة والصناعة وتمارس في إطار القانون لإزالة جميع العوائق والصعوبات التي تحول دون قيام المؤسّسات الخَاصَّة بالمشاركة في عملية التنمية وأن لا يكون ذلك حكراً على المؤسّسات العامة.
* وكيل وزارة المالية، رئيس المركز الاستراتيجي اليمني للدراسات والأبحاث