حقوقُ الإنسان وتضليلُ العالم
بقلم/ عبدالرحمن مراد
يبدو أن الأممَ المتحدةَ كمنظومة دولية تسيرُ في نفس المسار الذي سارت عليه أمريكا في السنوات الخوالي التي أدارها “ترامب” كرئيس أمريكي كان لوضوحه وشفافيته أثرٌ في فضح السياسة الأمريكية وأُسلُـوبها في إدارة العالم، فالكثير كان يشكّك في الدور الذي تلعبه أمريكا حتى جاء ترامب وكشف الغطاءُ فبُهِتَ كُـلُّ مكابر.
وها هي المنظمة الدولية تتناقض مع نفسها اليوم بعد سنوات من يقينها أن التحالفَ والسعوديّة انتهكوا حقوقَ الأطفال في اليمن، وبقدرة قادر تخرج السعوديّة ونصبح نحن في اليمن الضحية في القائمة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال، هذا الازدواج في التعامل مع القضايا ذات البُعد الإنساني يقول دونَ مِراءٍ أَو شك أن المنظمة الدولية أصبحت دونَ معيار أخلاقي، وأنها تتاجر بالقضايا الإنسانية، فكل شيء في النظام الرأسمالي يتحول إلى سلعة، ويكون التضليل هو ديدنه.
اليوم تتشابك مصالح الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وبالتالي يصبح المعيار هو المصلحة، وتظل الأخلاق والقضايا الإنسانية مُجَـرّدَ شعارات تخفي وراَها مناورةً سياسيةً تختفي بمُجَـرّد الحصول على المصلحة أَو على الحد الأدنى منها، كما يحدث مع القضايا الإنسانية في اليمن، الذي يعاني حصاراً مطبقاً من قبل دول التحالف ويغض العالم والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي الطرفَ عن الحصار عن معاناة الإنسان في اليمن، بل لا نكاد نسمع لهم همساً حول اليمن ولا حول معاناة الناس في اليمن.
القضية الإنسانية عند عالم اليوم هي قضيةُ مصلحة ليس أكثر، قد يثور الكون؛ بسَببِ كلبٍ يسقُطُ في حفرة في شارع عاصمة عربية إذَا كانت المصالح تستدعي الثورة، وقد يغض العالم عن إبادة شعبٍ بأكمله، كما يحدث في اليمن منذ أعوام سبعة، فلا بواكي لليمن وأهله في العالم من حولنا إلا سواعد رجاله وقدراتهم ومهاراتهم القتالية التي تدافع عن وجودهم في عالم يريد لهم الفناء.
اليوم يفاوضُنا العالَمُ من حولنا على بقائنا على قيد الحياة، مقابلَ أن نريقَ كرامتنا على بيادات عساكرهم، يمنعون عنا الغذاءَ والدواءَ والمشتقاتِ النفطية، ويحاولون تدمير اقتصادنا ويغرقون السوق بالعُملة التي يطبعونها دون غطاء حتى ينهار الريال أمام العملة الأجنبية، وبالتالي يصبحُ الغلاءُ غولاً جديدًا يأكل في وجودنا ويهدّد حياتنا بالفناء، لكننا سنظل ندافع عن وجودنا ولن نستسلم حتى يظهر الله سوءة هذا العالم الرأسمالي وقد فعل ذلك لا ريب، فالقضيةُ اليمنية التي ترفعُ شعارَ الموت لإسرائيل والموت لأمريكا تدركُ أن شعارَها لم يكن إلا ردة فعل موازية لذات الفعل الذي تريده إسرائيل وأمريكا لنا، فالحصار الذي يفرضُه التحالف ليس إلا رغبة واضحة بالفناء لشعب كامل، وسكوت العالم عن حركة التدمير والقتل الجماعي الذي مارسه التحالف الدولي ضد اليمن ليس إلا تعبيراً عن رغبة الفناء الذي ينتهجها هذا العالم ضد اليمن وبالتالي لم يكن شعارنا إلا تعبيراً عن حركة موازية لرغبة الفناء التي تريدها إسرائيل وأدواتها وأمريكا وأدواتها لنا.
لم تكن حركةُ أنصار الله إلا حركةَ وعي وأخلاق ومقاومة لمشروع صهيوني وأمريكي أراد لنا الفناءَ، واشتغل على التضليل وتدمير القيم، ولذلك نحن نخوضُ معركة وجودنا وسوف ننتصر، ونفضحُ خفايا السياسات التدميرية ضد العرب والمسلمين، ولعل أسوأ كُـلّ ذلك هو تدمير القيم.
فالسعوديّة التي تتزعم العدوان على اليمن وقعت في فخ تدمير القيم وانتهكت حقوق البشر والحجر في اليمن، كما لم يفعل ذلك فاجر أَو طاغٍ في كُـلّ حِقَبِ التاريخ، وقد استغل الصهاينة ذلك التوحشَ ليظهر نتنياهو في خطاب له بعد معركة سيف القدس ليحشرَ السعوديّة في زاوية أخلاقية ضيقة حين قال في خطابه:
“نأْسف لفقدان حياةِ كُـلّ إنسان، ولكن أستطيع أن أقول لكم بشكل قاطع: لا جيش في العالم يعمل بشكل أكثر أخلاقية من الجيش الإسرائيلي”.
وكأنه يقول: انظروا للسعوديّة وهي دولة مسلمة ماذا فعلت بالبلد المسلم اليمن؟
اليوم نحن نرُدُّ على حربِهم علينا في مستويات متعددة في المستوى العملياتي العسكري والثقافي والأخلاقي ونظهر تفوقاً عسكريًّا وثقافيًّا وأخلاقيا، وقد رأى العالمُ بأسَنا طوال مسار معركتنا مع العدوان منذ إعلانه إلى اليوم.
لقد حرّكنا وعيَ العالم من خلال صمودنا واعتزازنا بكرامتنا، ومن خلال بأسنا الذي وقف أحرار العالم إجلالاً له، وسوف ننتصر على بغاة العالم.