أجهزة القضاء اليمنية محاولة لتلمس مكامن الخلل وتقديم الحلول?
– قد يتبادر للذهن منذ الوهلة الأولى عند قراءة عنوان هذه المقالة إننا بصدد تناول طبيعة الظروف الذاتية والموضوعية المحيطة بأجهزة القضاء? التي يعزي إليها الكثيرين مسئولية ما تعج به البيئة الداخلية من إرهاصات سلبية-وفقا-لمعطيات النظرة التقليدية التي درج الكثيرين بموجبها على تفسير مجريات الأمور العامة الجارية? إلا أننا استميح القراء الأعزاء وصناع القرار المعنيين عذرا هذه المرة- أيضا- تواصلا مني مع سلسلة المقالات التي وعدت بطرحها حول واقع العملية القضائية في بلادنا? وذلك لأني سأبادر إلى تناول موضوع هذه المقالة من زاوية أخرى غير مطروقة البتة? من خلال إعادة تسليط الأضواء مرة واحدة على إحدى أهم مصادر الخلل الرئيسة? والتي يسهم في نشوئها وتطورها المعنيين بشئون القضاء في أعلى سلم الهرم القضائي في بلادنا? بالرغم من أنها تبدو للوهلة الأولى في ظاهرها ذات طابع إيجابي إلا أنها تحمل في طياتها بذور الخلل والعوامل المنشئة له والمساعدة على نموه وتطوره دون أن ندري.
– وبمعنى أخر كي أدخل في صلب الموضوع أطرح سؤالي المحوري هل سلسلة التغييرات التي تطال أجهزة القضاء بين الفينة والأخرى تتأتي-في المحصلة النهائية- ضمن إطار منظومة متكاملة من السياسيات والإجراءات المؤسسية المتبعة في اتجاه إحداث حراك نسبي حقيقي (نوعي/كمي) في واقع ومن ثم مستقبل العملية القضائية برمتها في محاولة منها ليس إلى مواكبة متطلبات المرحلة الحالية فحسب بل وقيادتها وتوجيهها فيما إذا لزم الأمر ذلك ? أم إن هذا الأمر برمته لا يتعدى كونه مجرد إجراءات روتينية نسبية مجتزأة ليس لها علاقة بذلك كله? لا يقصد من ورائها شئ سوى أنها مجرد محاولات إدارية نسبية يغلب عليها الطابع السياسي فرضتها المرحلة لا تخرج عن كونها مجرد محاولات نسبية في اتجاه تغطية (أو ترقيع) لحالات التراجع والفشل النسبية الشديدة التي تعيشها المؤسسة القضائية في مواكبة متطلبات المرحلة? جراء بقائها متأخرة عنها كثيرا? لدرجة أصبحت بموجبها في موقع المتلقي السلبي-على الدوام- وليس الموجه الرئيس لها? بسبب صعوبة-هذا إن لم نقل استحالة- اللحاق بالمتغيرات الرئيسة التي تشهدها الساحة اليمنية?
– والثابت لنا في هذا الأمر إن مصدر هذا التساؤل هو ما تشهده العملية القضائية على أرض الواقع من تراجع حاد في معايير كفاءة الأداء والفعالية الإدارية ومن ثم من تدهور شديد في الأوضاع الداخلية? ولاسيما أن زيارة واحدة إلى أروقة أحد المحاكم التي تعج بها البلاد كفيلة بتوضيح أبعاد الصورة التي أسعى وراء تناولها في مقالتي هذه? إذ أنه على الرغم من استمرار تزايد سلسلة التغييرات الحاصلة في المؤسسة القضائية التي يعلن عنها بين الفينة والأخرى وما يتبعها من بريق إعلامي- دعائي يهول لها كثيرا? إلا أنها تظل محصورة-على الأغلب- في أرض الواقع ضمن إطار التغييرات الشكلية النسبية الخالية من المضمون? نظرا لأنها لم تأتي بناء على قراءة متعمقة لمتطلبات المرحلة الأكثر إلحاحا? جراء بقاء أثارها ضئيلة وغير ملموسة على أرض الواقع في ظل استمرار تنامي تراكم ملفات القضايا لسنوات طوال دون حسم? وبالتالي لم ترتقي إلى مستوى المرحلة ومتطلباتها? انسياقا مع ما أثرته من أبعاد في مقالة لنا- في هذا الشأن- نشرتها صحيفة إيلاف بتاريخ22/7/2009م بعنوان ” سيادة القانون وإصلاح القضاء هو الحل يا فخامة الرئيس” وصحيفة الجمهورية بتاريخ 12/1/2012م بعنوان ” أجهزة القضاء اليمنية والحاجة إلى ثورة حقيقية وشاملة”? لاسيما إن طبيعة ومستوى ومن ثم حجم التغيرات الجارية كانت ومازالت مجرد إجراءات روتينية بحته لم تخرج عن كونها مجرد عمليات إحلال قاضي محل أخر بغض النظر عما يجب أن يتمتع به رجال القضاء من قدرات ذاتية بأبعادها المختلفة والقضائية والإدارية منها-بوجه خاص- وفقا- لمعايير وأسس علمية وعملية مبنية على مخرجات عملية (تقييم/ تقويم) الأداء والكفاءة? ومن ثم الفعالية الإدارية? بصورة تجعله أكثر قدرة وقوة على مواكبة متطلبات المرحلة.
– وفي المقابل مما لاشك فيه-في هذا الشأن- ونحن نناقش هذه السلسلة غير المترابطة نسبيا من التغييرات الحاصلة على صعيد المؤسسة القضائية? نجد إننا بحاجة ماسة لان تكون عملية الإحلال الجارية أكثر مرونة وانضباطا مع متطلبات المرحلة الحالية- وفقا- للمعايير الموضوعية ضمن إطار منظومة متكاملة من الإصلاحات تمهد من خلالها للمرحلة المقبلة? وإلا تبقى التساؤلات مثارة حول ما جدوى التغييرات الحاصلة في مستوى القيادات العليا في ظل استمرار بقائها-على الأغلب- مجرد إجراءات إدارية شكلية يغلب عليها الطابع السياسي دون الجوهري لم تطال سوى قمة الهرم القضائي بمستوياته المختلفة في ظل بقاء الجسد بأكمله عليلا ممثلا بـ(القيادات الوسطى والدنيا? الإداريين? المحامين….)? بمعنى أخر إنها لم تخرج عن كونها مجرد عمليات تنقلات للغث والسمين من مكان لأخر? لدرجة تجعلني أتسال كثيرا عن حاجتنا لمثل هكذا إجراءات وسياسات إن لم يتسنى لها أن تؤ