قمة بلا نكهة.. لا قذافي ولا اسد
بين قمة بغداد العربية التي انعقدت في ربيع عام 1990 وقمة بغداد العربية التي ستبدأ اعمالها يوم غد الخميس? بون شاسع? ليس من حيث مستوى المشاركة والقضايا المطروحة على جدول اعمالها فقط? وانما ايضا على صعيد قضايا اخرى كثيرة. فالعراق لم يعد العراق الذي نعرفه? والامة العربية لم تعد الامة العربية التي نتمناها? فقد تغير العراق وتغير العرب كثيرا في العقدين الماضيين? وبالتحديد منذ احتلال وتهشيم هذا البلد العربي الاصيل.
بعض الكتاب العرب وصفوا القمة الحالية بأنها ‘قمة للتعارف’ بين القادة الجدد الذين جاء بهم الربيع العربي? ثم بينهم وبين القادة القدامى الذين من المفترض ان تطيح بهم ثوراته في المستقبلين? القريب او البعيد? ولكنه توصيف خاطئ ومضلل نراه نمطيا? متسرعا? فالربيع العربي لم يأت حتى الآن الا بثلاثة رؤساء مؤقتين او انتقاليين? اثنان منهم منتخبان في انتخابات حرة نزيهة? هما الدكتور المنصف المرزوقي في تونس (لمدة عام واحد)? والثاني عبد ربه منصور هادي في اليمن (ما زال الرئيس علي عبد الله صالح جاثما على صدره)? اما الثالث اي المستشار مصطفى عبد الجليل? فهويته الرئاسية ملتبسة? فهو اقل من رئيس جمهورية? واكثر من شيخ قبيلة? ومجلسه الانتقالي المؤقت الذي يرأسه مهلهل ولا يحكم بضعة كيلومترات خارج مقره. اما الثورة المصرية فما زالت تنتظر رئيسها? حيث من المتوقع ان تكون ولادته صعبة? ان لم تكن بعملية قيصرية.
قمة بغداد? وحسب الانباء المتواترة حولها حتى كتابة هذه السطور? ستخلو من معظم الرؤساء والملوك والامراء? سواء كانوا مؤقتين او دائمين? او ينتظرون في طابور التغيير الطويل. ولا نستغرب ان يجد الرئيس العراقي جلال الطالباني? على افتراض انه سيحسم مسألة رئاسة القمة مع خصمه نوري المالكي لصالحه? نفسه وحيدا يحمل لقب رئيس? وهو بالمناسبة منصب بروتوكولي شرفي تقتصر مهامه على الاستقبال والتوديع والتقاط الصور مع الضيوف? اللهم الا اذا قرر الرئيس السوداني عمر البشير ان يؤنس وحدته بالمشاركة باصطحاب رئيسي الصومال وجيبوتي في معيته. فمعظم الدول العربية قررت ايفاد وزراء خارجية او سفراء لتمثيلها في القمة? إما خوفا من التفجيرات? او زهدا في العمل العربي المشترك.
الرئيس حافظ الاسد قاطع قمة بغداد الاولى لكراهيته لنظيره العراقي صدام حسين لاسباب شخصية او عقائدية? او الاثنين معا? اما قمة بغداد الثانية فهي التي تقاطع ابنه وخليفته بشار.
ومن المفارقة ان المقاطعة الثانية? ورغبة دول الخليج التي تجلس امام مقعد قيادة العمل العربي المشترك هذه الايام? بينما يجلس زعماء الدول العربية الاخرى مثل الجزائر والمغرب والسودان ومصر في المؤخرة? في ابعاد العراق عن سورية? او بالاحرى محاولة تحييده اي العراق? هي التي ادت الى رفع ‘الفيتو’ العربي عن استضافة العراق للقمة.
القمة الحالية مثل الماء: بلا لون او طعم او رائحة. قمة ليست ناقصة الثقل والحضور فقط? وانما مملة? خالية من كل انواع الملح والتوابل.. قمة باهتة تماما مثل حال الانظمة المشاركة فيها? وربما تدخل التاريخ كأكثر القمم العربية إثارة للتثاؤب.
***
لا نستطيع ان نتصور قمة عربية خالية من معمر القذافي وخطاباته الكوميدية المسلية? وتنبؤاته الغريبة (وان صحت فعلا)? وملابسه المزركشة? وتقلباته المزاجية النزقة? او بدون محاضرات الرئيس بشار الاسد حول ‘انصاف الرجال’ وارباعهم? او ‘عنجهية ‘صدام حسين وهيبته? ولا مبالاة زين العابدين بن علي? وتصريحات علي عبد الله صالح حول الحلاقة والحلاقين وسخريتها السوداء? وهي نصائح لم يأخذ بها نفسه? فكان آخر من تم? ‘الحلق’ لهم. ولا ننسى مطلقا ياسر عرفات وكوفيته وتنقله بين الزعماء فاتحا ذراعيه ومقبلا يمينا ويسارا? دون كلل او ملل? حيث كان يوزع قبلاته على الجميع بالتساوي (اربع ق?ْبل) سواء كانوا رؤساء او وزراء او موظفين.
عندما انعقدت آخر القمم العربية في العراق قبل اثنين وعشرين عاما? كان العراق قويا مهيبا رغم خروجه من حرب استمرت ثمانية اعوام? يملك خبرة عسكرية غير مسبوقة? وبرامج تسليح طموحة كادت ان تحقق التوازن الاستراتيجي مع اسرائيل? الامر الذي جعله هدفا للغرب والاسرائيليين ومؤامراتهم ومصائدهم? ولكنه يحق له ان يفتخر ان 35 دولة تحالفت للاطاحة به? ولأسباب اسرائيلية.
عراق اليوم? او ‘العراق الجديد’ كما يحلو لأصحابه ان يطلقوا عليه? عراق ممزق تابع منقوص السيادة? تحكمه نخبة سياسية جعلت منه واحدا من اكثر خمس دول فسادا في العالم بأسره.. عراق هامشي في محيطه بعد ان كان سيدا متبوعا.. عراق بلا هوية وطنية? يتباهى رئيس وزرائه بطائفيته وطائفته? ويحتقر العرب والعروبة? ولم ينطق بكلمة فلسطين او يتعاطف مع مأساة اهلها في اي من لقاءاته الا ما ندر.
رئيس العراق السابق الذي وقف بشموخ امام حبل المشنقة? ناطقا بالشهادتين? وهاتفا باسم العروبة وفلسطين كان يعامل الحكام العرب المشاركين في قمة استضافها من اجل فلسطين? من موقع جغرافية المكان وعظمة تاريخه? كان يتحدث با