“الحاجة هلا” لبنانية تقتحم مهنة الرجال في إصلاح السيارات
بين أنحاء جراجها تتنقل? تراقب سير العمل? للوهلة الأولى تظنها صاحبة السيارة التي تقف إلى جانبها? لتكتشف عند رؤيتك إياها تقبض المال من أحد الزبائن أنها صاحبة الجراج.
وتقول هلا الأمين في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لا وجود لمعادلة رئيس ومرؤوس في جراجي? علاقتي بعمالي الأربعة أخوية? يمازح بعضنا بعضا كثيرا? لكن الجدية والمسؤولية هي سيدة الموقف? عندما يتعلق الأمر بخدمة الزبون بكل أمان وإخلاص».
«حاجة هلا? حاجة هلا»? «هل الحاجة هلا موجودة?»? عبارات اعتاد الزبائن استخدامها أثناء وصولهم إلى مشارف جراج الأمين على طريق مركز المعاينة الميكانيكية في منطقة الحدث (الضاحية الجنوبية لبيروت) والمخصص لميكانيكا وكهرباء وشكمانات السيارات وصب لوحاتها.
القصة بدأت مع هلا عام 2004 عندما طلب شقيقها (مالك الجراج) مساعدتها على الإشراف ومراقبة العاملين فيه بدلا من مكوثها في البيت? لكن حشريتها بالتدخل في كل شاردة وواردة جعلتها تكتسب مع الأيام الخبرة في استعمال أدوات العمل وتعلم المهنة.
وعلى الرغم من أن بلدة العديسة الجنوبية لم تفكر بهذه المهنة عندما فرت وأهلها إلى بلدتها أثناء الحرب في التسعينات? فإنها اليوم أصبحت أخت الرجال? توزع الأدوار وتحدد الأولويات من الصباح الباكر وحتى فترة ما بعد الظهر من كل يوم عمل.
«هذه المرة الأولى التي أرى فيها امرأة تمارس هذه المهنة? ظننتها زبونة في الجراج وأنها تمازحني بادئ الأمر? قلت في نفسي هذا غير معقول». تعرب زينة (26 عاما – موظفة بنك) عن دهشتها بعد توقفها عند جراج الأمين بهدف إجراء بعض التصليحات الضرورية قبل إخضاع سيارتها لامتحان المعاينة.
أما ريتا (29 عاما – أجنبية) فقد رفضت دفع الأجرة لهلا بعد انتهاء أحد العمال من تركيب اللوحة لسيارتها? وأصرت على دفعها للعامل? لكنها ما لبثت أن اقتنعت بأن هلا هي صاحبة الجراج.
وإذ تكشف هلا عن أن النساء هم أكثر الزبائن استغرابا من وجودها في هذه المهنة? تؤكد أنها تكتسب ثقة العشرات من الزبائن نظرا لأسعارها الرخيصة مقارنة بالأسعار التي تعتمدها الجراجات المشابهة المحيطة? على الرغم من أنهم يقصدونها مرة واحدة سنويا.
من مناطق طرابلس وكسروان وجونية وجبيل وبيروت والجنوب? يقصد الزبائن صاحبة الكلمة الطيبة والوجه البشوش والأسلوب اللطيف? وهم من مختلف الطوائف اللبنانية من سنة وشيعة ودروز ومسيحيين.
أما مبدأ هلا الأساسي في العمل فهو أنها تتحمل المسؤولية كاملة في حال لم تجتز سيارة الزبون امتحان المعاينة? لذلك تراها حريصة على إصلاح الأعطال وتجهيز السيارة بالقطع الجديدة التي تحتاجها أمام ناظري الزبون? بعيدا عن أساليب الغش التي تعتمدها بعض الجراجات المجاورة.
وتعيش هلا? الصغرى بين أخواتها? مع والدتها في منزل يملكه أخوها الأكبر? وهي حرمت من عاطفة الأبوة بوفاة والدها العام الماضي? في حين أن جميع إخوتها وأخواتها قد تزوجوا منذ فترة طويلة? ليتكفل أخوها الأكبر بكامل احتياجات المنزل.
وردا على سؤال تجيب والدتها المرتدية اللباس الأسود: «ابنتي تعمل بصدق وإيمان مع نفسها? وهي تعامل زبائنها بنفس الأسلوب? ليس لديها مهنة أخرى? أشاهدها أحيانا كيف تعمل على إقناع الزبون وجذبه إلى جراجها? ضمن لعبة التنافس المهني مع الجراجات المجاورة? ليخرج مسرورا بعملها».
أما أكثر الأعمال المحببة إلى قلب هلا فهو صب لوحات السيارات? ولا يستغرق إنجاز الواحدة منها أكثر من 3 دقائق مستخدمة «المقدح» و«المفك» لتثبيتها في مكانها.
وحول الأعمال الصعبة نسبيا تجيب: «غالبا ما تكون مرتبطة بالميكانيكا? لكن خبرة العمال كفيلة باكتشاف الأعطال وتصليحها».
وكما النساء فإن الرجال بدورهم معجبون بأسلوب هلا? وفق ما يشير إليه محمد (مهندس 35 عاما) وهو زبونها منذ ثلاث سنوات: «تشكل حالة استثنائية في هذه المهنة? تدرك جيدا كيف تقلب الأدوار وكيف تقتحم عالم الرجال بكل جرأة وثقة? أشعر بأن باقي الجراجات يغارون من نجاحها ومن أسعارها المدروسة».
واللافت أن هلا تستقبل جميع أنواع السيارات التي تخضع لامتحان المعاينة من دون استثناء? وهي تعلمت القيادة على يد أخيها على مدى 4 أسابيع وبمعدل ساعتين يوميا.
وتعليقا على ما إذا كانت تخطط لجعل الجراج أكبر حجما? توضح: «لا تفكير لدي من هذا القبيل? أنا مكتفية والحمد لله? لكنني لا أستبعد ذلك مستقبلا? في حال كانت متطلبات المنافسة أكثر حماسة».
لا نظرة سلبية في أوساط العائلة? بل على العكس هي تتلقى تشجيعا وترحيبا من الأقارب بالاستمرار في هذه المهنة? سيما أن جراجها يشكل واحدا من اثنين متخصصين بصب لوحات السيارات في المنطقة? وهو أصبح مصدر رزقها الوحيد.
وإذ تؤكد هلا على عدم ندمها لتركها مهنة التزيين في منتصف الثمانينات بعد ممارستها لمدة سنة? تعتبر أن ذلك لا ينطبق على تركها المدرسة في صفوفها الابتدائية? نظرا لإدراكها أهمية العلم في حياة المرأة وما يحمل من أهمية لأولادها في المستقبل.
وفي الختام تؤكد هلا