وجوه الفلسطينيين كظيمةٌ مسودةٌ
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
وجوه الفلسطينيين في كل أنحاء العالم، في الوطن ومخيمات اللجوء ودول الشتات، مسودةٌ كظيمةٌ، تتوارى من الشعوب والأمم من سوء ما قامت به سلطتهم الوطنية، وما فعلته أجهزتها الأمنية، فقد قامت بفعلٍ مشينٍ وعملٍ قبيحٍ، ونفذت مهمةً قذرةً، وأتت شيئاً مخزياً لا يليق، وقامت بعملٍ معيبٍ لا يبرر، وارتكبت في حق شعبها وأمتها جريمةً كبيرةً، لا يمكن غفرانها أو السكوت عنها، وأظهرت نفسها من جديدٍ بصورةٍ لافتةٍ صريحةٍ، فاضحةٍ غريبةٍ، أنها سلطة تابعة ذليلة، وأنها خادمة وضيعة، وأن أجهزتها الأمنية عميلة خائنة، مخبرة ساقطة وأجيرة هابطة، تعمل عيناً للعدو وأذناً له، وتنفذ نيابةً عنه مهاماً أمنيةً يعجز هو عن تنفيذها وحده، ولا يقوى على القيام بها دون مساعدةٍ من أجهزة السلطة الأمنية وتنسيقٍ معها.
ففي الوقت الذي فرح فيه الفلسطينيون وسعدوا بعملية زعترة البطولية، التي انتقم فيها فلسطينيٌ حرٌ للقدس وأهلها، وغضب للشيخ جراح وسكانها، وانتفض للمقدسيين في باب العمود وثأر لهم، ونجح في الانسحاب والابتعاد، والتواري عن الأنظار ولاختفاء، بعد أن نال من جنود الاحتلال ومستوطنيه، فجرح وقتل، وأربك وأقلق، وأصاب الإسرائيليين بالصدمة والذهول، بعد أن اطمأنت المخابرات الإسرائيلية إلى أن الضفة الغربية قد نامت واستكانت، وأنها هدأت وخضعت، وما عادت تقوى على الثورة والغضب، بعد أن تفككت مجموعاتها، واكتشفت خلاياها، وسحب سلاحها، وأعتقل نشطاؤها، وظنوا أن جذوة المقاومة قد خمدت، وأنهم يستطيعون تنفيذ مخططاتهم دون خوفٍ من ردةِ فعلٍ شعبيةٍ فلسطينية، أو مواقف عملية تقوم بها الفصائل الفلسطينية.
احتار العدو الذي اختل عقله واضطرب تفكيره نتيجة عملية زعترة، ولم يستطع أن يحدد هوية فاعلها ولا مكان وجوده وكيفية اختفائه، فاستعان بالسلطة الفلسطينية التي أمرت أجهزتها بالانطلاق كما كلاب الأثر المدربة، تبحث عن البطل، وتفتش عن الفدائي، لتقدمه قرباناً إلى الكيان الصهيوني، الذي لا ينفك يضربها كعبدٍ، ويعنفها كأجير، ويأمرها كمستخدم، فتمكنت بسرعةٍ من تحديد السيارة التي استخدمها منفذ العملية، وأرسلت إلى الإسرائيليين تحدد هوية صاحبها وتخبرهم عن مكانها، لكن الشعب الغاضب الثائر، الذي يرفض سلوك سلطته ويدين فعل أجهزتها الأمنية، خَفَّ إلى السيارة فأحرقها، ليخفي معالمها ويطمس الأدلة فيها، ويمنع الإسرائيليين من الوصول إلى منفذ العملية.
لكن الأجهزة الأمنية الفلسطينية، التي آمنت بالتنسيق الأمني، واعتبرته كرئيسها مقدساً، اعتبرت أن العملية إرهابية، وأنها تستهدف زعزعة الأمن في الضفة الغربية، وتسعى لتوتير الأوضاع من الكيان الصهيوني، وأكدت أنها ستحاربها ولن تسمح بتكرارها، وستبذل أقصى الجهود لإلقاء القبض على منفذها وتسليمه، وهو ما كان بالفعل، إذ عرفت الأجهزة الأمنية مكان اختباء منتصر الشلبي، فأبلغت الجيش والمخابرات الإسرائيلية، الذين طوقوا المكان وداهموا المبنى، وتمكنوا من اعتقال المقاوم البطل منصور الشلبي، ومن قبل داهموا بيته وانتهكوا حرمته، وأسأوا إلى زوجته وأهله.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تخزينا فيها السلطة الفلسطينية، وليست هذه هي الحادثة الأولى التي تقوم فيها الأجهزة الأمنية بتسهيل قتل أو اعتقال مطلوبين فلسطينيين، فقد سبق لها أن سلمت جرار والبرغوثي والحلبي وعشرات المقاومين الآخرين، الذين تمكنوا من الإفلات والتواري عن الأنظار بعد تنفيذ عملياتهم، لكن عيون أمن السلطة كانت ترقبهم وتراقبهم، وتتابعهم وتلاحقهم، مما سهل عليها بخسةٍ ونذالةٍ تسليمهم للقتل أو الاعتقال، الأمر الذي سبب للفلسطينيين جميعاً حرجاً في كل مكانٍ، وأشعرهم بالخزي والأسى مما تقوم به السلطة الفلسطينية وأجهزتها، علماً أنها تجاهر بعمالتها، وتتفاخر بجرائمها، وتصر على على سياستها.
حَقَ للشعب الفلسطيني أن يقاوم ويقاتل، وأن يهاجم عدوه ويباغته، وأن يدافع عن حقوقه ويصون مقدساته، وقد أثبت دوماً وفي كل المراحل أنه يقاوم بصلابةٍ، ويواجه بشجاعةٍ، ويتحدى برباطة جأشٍ، وأنه لا يقبل بالذل ولا يرضى بالهوان، ولهذا كانت ثورة المقدسيين وهبة الفلسطينيين نصرةً للقدس ودفاعاً عن المسجد الأقصى، فلا يعيب علينا أحدٌ مقاومتنا، ولا يهزأ سفيه من ثورتنا، ولا يظنن أحدٌ أن عيننا لا تقاوم مخرز العدو ولا تنتصر عليه، بل إنها تثلمه وتكسره، وتنتصر عليه وتغلبه، وليعلم الذين أتوا بالفاحشة من شعبنا، واقترفوا الجريمة ضدنا، وتعاونوا مع عدونا، وخذلوا أهلنا، وخانوا قدسنا، أننا براءٌ منهم وأنهم لا يمثلوننا ولا ينتسبون لنا أو ينتمون إلينا، وأن شعبنا عما قريب سيمسكهم على هونٍ وسيدسهم في التراب، وعداً حقاً علينا لن نخلفه نحن ولا هم يوماً سوى.