رسالة إلى ولدي الحبيب في عيد الأم
برغم تحفظات بعض المسلمين على الاحتفال بيوم 21 مارس كعيد للأم في بلادنا إلا أنني مع هذه المناسبة قلبا?ٍ وقالبا?ٍ? ربما لأنني أم أنانية وأحب أن يحتفل بي أولادي يوما?ٍ في السنة كما أحتفل بهم كل يوم? ولن أسامحهم إن غاب هذا اليوم عن أذهانهم حتى وإن كانوا بارين بي طوال العام? فعليهم أن يعملوا حسابهم لهذا اليوم.. هكذا أنا لا أرضى أن تمر مناسبة عيد الأم دون أن أحتفل بأمي ويحتفل بي أبنائي.
ربما يتهمني بعض مشايخنا بتقليد الغرب والخروج عن الدين? لكني أؤكد لهم أنني أؤمن بالله الواحد الأحد وأؤدي ما علي? من فروض? و مع ذلك أكرر أنني أصر على مخالفتهم في هذا العيد? وسأظل مع هذا التقليد لأنه تقليد جميل? وعندي ثقة كبيرة أن الله ـ سبحانه ـ سيغفر لي تقليدي يوم الدين..
التقاليد الجميلة في حياتنا قليلة بينما نرفل في التقاليد القبيحة في كل مكان..فلماذا نحارب عيد الأم مع أننا مقلدون من رؤوسنا إلى أقدامنا ابتداء بالسياسة وانتهاء بالملابس الداخلية?!! أتحدى أي مسلم في أي مكان أن يثبت اليوم أنه منفصل تماما?ٍ عن الغرب? أو أنه يستطيع أن ينفصل في أكله وشربه وملبسه ومسكنه وتصرفاته عن التقاليد الغربية.. فلماذا لا ندعو لثقافة الانتقاء الجميل بدلا?ٍ من محاربة التواصل الإنساني? ودفع المسلمين دفعا?ٍ إلى خدش كل جميل تحديا?ٍ للممنوعات غير المنطقية?!!
وبمناسبة عيد الأم? ليسمح لي القراء الكرام أن أطلعهم على رسالة حزينة وصلتني من زميل عزيز في عيد الأم? وهي رسالة من أم تتوقع أن تعيش أواخر عمرها تحت رحمة ولدها في عصر العولمة بأمراضها المختلفة? وتتخيل الأم وضعها الصعب حين تكبر? ولا تملك إلا أن تذك?ر ابنها بواجباته نحوها قبل أن تشيخ هذه الأم فلا تستطيع تذكيره? ربما تجد هذه الرسالة صداها عند الأبناء قبل أن تموت أمهاتهم..
«ولدي العزيز.. فى يوم من الأيام ستراني عجوزا?ٍ كبيرة.. غير منطقية فى تصرفاتي!! عندها من فضلك.. اعطني بعض الوقت وبعض الصبر لتفهمني.. وعندما ترتعش يدي فيسقط طعامي على صدري? وعندما لا أقوى على لبس ثيابي فتحل??ِ بالصبر معي حتى أتمكن من التحكم في نفسي.. وتذك?ر سنوات?ُ طويلة مر?ت وأنا أعل?مك ما لا أستطيع فعله اليوم!!
إذا حد?ثتك بكلمات مكررة? وأعدت عليك ذكرياتي فلا تغضب? ولا ت?ِمل? وتذكر كم كررت من أجلك قصصا?ٍ وحكايات? وكنت مستمتعة فقط لأنها كانت تفرحك!! وكنت تطلب مني ذلك دوما?ٍ وأنت صغير فلا أمل? ولا أؤجل ولا أمن??ِ عليك!!! فعذرا?ٍ حاول ألا تقاطعني الآن.
إن لم أعد أنيقة وجميلة الرائحة كما كنت في شبابي!!! فلا تلمني اليوم واذكر فى صغرك محاولاتى العديدة لأجعلك أنيقا?ٍ جميل الرائحة بلا تأفف من مخلفاتك..
لا تضحك مني إذا رأيت جهلي وعدم فهمي لأمور جيلكم هذا ولكن.. كن أنت عيني التي أرى بها عالمك وعقلي الذي يستوعب احتياجاتك العصرية حتى ألحق بما فاتني من عالمكم.. تذك?ر دائما?ٍ أنني أنا من أد?بتك? وأنا من عل?متك كيف تواجه الحياة? فكيف تعل?منى اليوم ما يجب وما لا يجب?!
لا تمل? من ضعف ذاكرتي وبطء كلماتي وتأخر تفكيري أثناء محادثتك لأن سعادتي من المحادثة الآن هي فقط أن أكون معك!!! فقط ساعدني لقضاء ما أحتاج إليه فمازلت أعرف ما أريد!!!
عندما تخذلني قدماي عن حملي إلى المكان الذي أريده? فكن عطوفا?ٍ معي وتذكر أني قد حملتك كثيرا?ٍ في بطني وعلى صدري وفوق ظهري وأظهرت لك سعادتي بثقلك? وأخذت بيدك سنوات عديدة أمام الناس لكي تستطيع أن تمشي? فلا تستح? أبدا?ٍ أن تأخذ بيدي اليوم أمام الناس? فغدا?ٍ ستبحث ع?ِم??ِن يأخذ بيدك…
في سن??ي هذه اعلم ـ ياولدي ـ أنني لست م?ْـقبلة على الحياة مثلك? ولكني ببساطة أنتظر الموت!!! فكن معي لأموت راضية عنك.. ولا تكن علي?ِ? فتحرم نفسك متعة الدنيا بعدي!!!
عندما تتذكر شيئا?ٍ من أخطائي فاعلم أني لم أكن أريد دوما?ٍ سوى مصلحتك..
وأن أفضل ما تفعله معي الآن أن تصبر على زلاتي.. وتطعمني حين أجوع وتعالجني حين أمرض كما كنت أطعمك قبل أن تجوع وأعالجك من أمراضك في صغرك..
لا تبخل علي? بإقبال وجهك وبكلماتك اللطيفة? فمازالت كلماتك وضحكاتك وابتسامتك تفرحني كما كنت صغيرا?ٍ بالضبط.. فلا تحرمني صحبتك!!!
كنت معك حين ولدت فكن معي حين أموت!!
غفر الله لك وسترك وسخ?ر لك أبناءك ليعاملوك كما عاملتني… من أمك».
ـ أستاذ المناهج وطرائق التدريس المشارك بكلية التربية ـ جامعة صنعاء