لعلّه يتذكر أَو يخشى
بقلم/ د. يوسف الحاضري *
أمر اللهُ سُبْحَانَـهُ وَتَعَالَى نبيَّيه موسى وهارون عليهما السلام أن يخاطبا الطاغيَ فرعونَ بخطابٍ ليِّنٍ؛ لعله يتذكر أَو يخشى، رغم أنه قد سفك دماء أطفال بني إسرائيل، في طغيان لم يشهدْ له التاريخُ مثيلاً إلَّا تاريخ محمد بن سلمان وسفكه لدماء أطفال اليمن، فلماذا جاء هذا التوجيه والتبرير الرباني بـ (لعله)؟
قال تعالى موجهاً نبيَّيه موسى وهارون في سورة طه (اذْهَبَا إلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَو يَخْشَى (44)) رغم أن فرعون سفك وما زال يسفك دماء أطفال بني إسرائيل الذين لا ذنبَ لهم ولا جرمَ اقترفوه ولا حتى تهديد حقيقي يشكلونه على هذا الطاغية، فلماذا قال تعالى لهما (قولاً ليناً) ولماذا وضع التبرير بـ (لعله يتذكر أَو يخشى) وهل الله تعالى كان لديه احتمال أنه قد يتذكر أَو يخشى حتى مثلاً فجاءت النتائج غير ذلك ما يعني أن الله لم يكن لديه علم اليقين المطلق بالنتائج (والعياذ بالله جل وعلا عن هذه الاحتمالات علواً كبيراً).
من أكبر مشاكلنا نحن البشر أننا نتعامل مع الله وأسمائه وصفاته بنفس المقياس والقياس الذي نتعامل به مع بعضنا البعض، فعندما نصف بعضنا البعض بصفة الرحمة مثلاً فَـإنَّنا نطلقها من منطلق أعمال ومشاعر لينة رحيمة نقوم بها تجاه بعضنا البعض في وقت أننا نظن أن رحمة الله بنفس الحجم والطول والعرض الذي هو بيننا فلا نطلق عليه رحيم إلَّا عندما ينجو أحدهم من كارثة كادت تفتك به في وقت أن من رحمة الله أنه قد يميت أَو يقتل ابناً لنا أَو يعيقنا أَو يفقرنا أَو…، كما قص الله في قصة موسى والرجل الصالح عندما قتل ذلك الطفل الذي كان لو لم يمت كان سيرهق أبويه المؤمنين كفراً وطغياناً فتصبح نهاية الثلاثة إلى نار جهنم في وقت أن النهاية الآن للجنة رحمة من الله ومن هنا علينا أن ننظر لكل شيء يأتي من جانب الله بالرحمة مهما كانت مقاييسنا تقيسها بالرحمة أَو بالألم، وهكذا أَيْـضاً علينا أن ننظر إلى ما حصل مع موسى وهارون عندما قيل لهما من الله (لعله يتذكر أَو يخشى) فهذا توجيهٌ لمخلوقين قاصرين وليس مقياساً لعلم ومعرفة خالق يمتلك مطلق الكمال!!
هذا توجيه من الله لنا بأن نستمرَّ في التعامل باللين واللطف مع الآخرين حتى لو بلغ تكبره وتجبره ما بلغ إليه فرعون الذي وصل إلى مستوى أن يقول (أنا ربكم الأعلى) وَ(ما علمت لكم من إله غيري) ونترك لله جل وعلا ليحكم حكمه (زماناً ومكاناً) متى ما اقتضت حكمته جل وعلا، وهذا الأمر يأتي من منطلق مطلق عدالته التي تضعُ الطغاة في موقف اللا حُجّـة واللا عُذر يوم القيامة بحيث لا يتعلل بتنفير الدعاة من الأنبياء والرسل وأعلام الهدى لهم بالقول الفض الغليظ وذكر الله للفظه (لعله) هي السلاح الإيجابي لموسى وهارون لكي يتحَرّكا بدافع (الأمل) أن يهتدي فرعون ويعود للصراط المستقيم، ما يعني أن تصبح مصر كلها مؤمنةً كما كانت في عهد فرعونها الذي عاصر نبي الله يوسف عليه السلام، والذي يتحَرّك بالأمل هذا يحمل مشاعر ايمانية كبيرة وحافز قوي جِـدًّا للوصول إلى هذا الهدف عكس ذلك الذي يتحَرّك وهو لا يمتلك أي أمل، حَيثُ تكون نفسيته (صفراً) وهذا لا يفيد القضية بأصلها، لذا جاء الأمر والتوجيه الرباني واضحًا وقاطعا (فقولا له قولاً ليناً).
القولُ اللين نجدُه يوميًّا في خطابات وكلمات ومحاضرات وريث الأنبياء العلم السيد عبدالملك بن بدر الدين الحوثي والذي لليوم ما زال يدعو أئمة العدوان على اليمن بالعدول عن عدوانهم والعودة إلى جادة الحق وتحكيم العقل والاحترام المتبادل (لعلهم يتذكرون أَو يخشون) تاركا لله تعالى ليقضي أمراً كان مفعولاً متى أراد وكيفما أراد، مع أن من موجبات القول اللين هو عدم ترك السلاح وعدم الرد بالمثل فلا ينفي هذا امتلاك قوة الردع والمنع التي نمتلكها اليوم في يمن الإيمان بفضل الله وعونه ولطفه.
انتهى فرعون بتلك المأساة الكبيرة الذاتية له فحاول أن يتشبث بشيء من الأمل لينجوَ، فقال: (آمنت أنه لا إله إلَّا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين)، سلَّم لموسى في لحظة الموت وهي اللحظة التي لا تقبل أبداً بعد كُـلّ تلك اللحظات التي أعطيت له من الله وأنبيائه والسبب يأتي من احاطت خطاياه به وتلك الدماء التي سفكت بغير وجه حق ولأطفال صغار معظمهم لم يبلغ الأسبوعَ من العمر، وهذا حال الطغاة من بعده جيلاً بعد جيل حتى يوم القيامة خَاصَّة الذين لم يستغلوا هذه الفرص وهذه الدعوات ويتوبوا إلى الله ويستغفرونه ومن يعمل ذلك يجد الله غفورًا رحيماً.
* كاتب وباحث في الشئون الدينية والسياسية