إيـمــان يــمانــي والـمـســتـقـبـل يــمــانــي
بقلم/ صـالح الصـيرفي
قليلون هم الذين يعرفون ماذا يعني انتصار حركة انصار الله وحلفائها على العدوان السعودي الامريكي الاماراتي وماهي تداعيات إنكسار هذا العدوان على الساحة السعودية واقتصادها ومجتمعها ومستقبلها اولا والاماراتية ثانيا وعلى منطقة الشرق الاوسط ثالثا وعلى مستقبل الوجود الامريكي في غرب اسيا رابعا ، وماهو حجم مكتسبات وايجابيات هذا الانتصار وانعكاساته العملانية على تحسن الأمن والاستقرار والتطور والازدهار على الساحة اليمنية والمنطقة عموما و على دول وقوى محور المقاومة خصوصا
انتصار اليمن بثقله وعظمته وعمقه ودلالاته وآثاره يوازي فتح الرسول الأكرم محمد ( ص ) لمكة المكرمة في السنة الثامنة للهجرة النبوية الشريفة ، وهذه ليست مبالغة بل قراءة في الوقائع والتحولات العظمى التي ستشهدها المنطقة والعالم على كافة المستويات الجيوسياسية والجيواقتصادية والجيواستراتيجية والاجتماعية والثقافية والدينية
انتصار انصار الله وحلفاؤهم سيؤسس لتحولات كبرى تُدخل المنطقة والعالم في منعطفات جديدة لم يشهدها العالم أجمع
وستنعكس ايجابا على خلق توازنات دولية ومعادلات سياسية وتكتلات اقتصادية امام تكتلات العولمة الرأسمالية المتوحشة وكارتيلات اصحاب الاموال والبنوگ الدولية والشركات العابرة للقارات
الأهـميـة الاسـتراتيجيــة لليـمـن
يعتبر اليمن اليوم أحد اراضي المنطقة التي تطوف على خزين استراتيجي ضخم وكبير من مصادر الطاقة والمعادن النفيسة كـ البترول والغاز ويحتوي على أهمّ مناجم الذهب في العالم. وهذا ما يجعله محط انظار الطامعين من القوى الصهيونية الاستعمارية و الاستكبارية في العالم. وبسبب عدم وجود ارقام دقيقة وحديثة عن حجم هذه الموارد الطبيعية الحيوية إضطررنا للاستشهاد بتقارير قديمة من الحكومة اليمنية السابقة ، وبحسب التقرير الإستراتيجي اليمني 2006 والذي نشر على موقع وزارة النفط والمعادن اليمنية، فإنّ الطاقة الإنتاجية لقطاع النفط حتى العام 2006 تتوزع في ثلاث قطاعات رئيسية هي:
1- قطاع المسيلة حضرموت ويحتل المركز الأول بين القطاعات النفطية في الجمهورية اليمنية حيث بلغت طاقته الإنتاجية السنوية عام 2006 حوالي 51.7 مليون برميل تمثل 39% من إجمالي الإنتاج النفطي.
2- قطاع مأرب الجوف: بإنتاج سنوي وصل عام 2006 لحوالي 25.1 مليون برميل يوميًا وبنسبة 19% من إجمالي الإنتاج.
3- قطاع جنة بنسبة إنتاج 12%، ثم تأتي القطاعات الأخرى.
4- تمثل القطاعات الثلاثة 70% من إجمالي الإنتاج النفطي اليمني، هذا عدا عن أن حضرموت تختزن ثاني أكبر خزان مائي طبيعي في الجزيرة العربية.
وبحسب إحصائية رسمية فإن المخزون النفطي في اليمن يقدر بنحو 11.950 مليار برميل، منها 4.788 مليارات برميل نفط قابل للاستخراج بالطرق الأولية والحالية. ويصل إجمالي النفط المنتج حتى كانون الأول/ ديسمبر/ 2018، إلى حوالي 2.9 مليار برميل، بينما يصل إجمالي المخزون الغازي إلى نحو 18.283 تريليون قدم مكعبة. وتمتلك شركة صافر الحكومية القطاع النفطي 18 والذي يعد أكبر الحقول النفطية في اليمن، وتعمل حكومة التحالف على إعادة الإنتاج من هذا الحقل الذي يشمل مأرب والجوف بكامل طاقته منذ العام الماضي دون جدوى حتى الآن، مع الاكتفاء بإنتاج وتصدير ما يقرب من 15 ألف برميل في اليوم من قطاع يتجاوز إنتاجه نحو 100 ألف برميل يوميًا.
ويقع اليمن على أهم موانئ على البحر الأحمر ومنها ميناء الحديدة، الذي شهد معارك ضارية قبل تحريره من قوى “داعش” و”القاعدة” وغيرهما في الجنوب. والميناء الهام الثاني هو ميناء عدن، الذي يقع في أهم منطقة استراتيجية على مضيق باب المندب، ويشرف على بحر عمان، الذي يفتح على بحر العرب. أي أن اليمن عدا عن أنه خزان من الثروات الباطنية، فهو ممر حيوي هام لخطوط النفط السعودية إلى الإمارات ويحتضن موانئ استراتيجية هامة، أهمها ميناء عدن، وهو الميناء الذي كانت تدار عبره ثاني أهم ترانزيت للبضائع في الخمسينيات بعد ميناء نيويورك. وكان يدار الميناء حتى العام 2012 من قبل شركة موانئ دبي، وبعد انتهاء عقدها لم تجدده الحكومة اليمنية آنذاك لأن الشركة لم تنفذ البنود المتعلقة بالمشاريع الاستثمارية،
واليمن ايضا يتحكم بمضيق باب المندب الذي يربط المحيط الهندي وخليج عدن بالبحر الأحمر، ثم بالبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس. وهو ممر رئيسي للنفط والبضائع من الشرق الأقصى والهند والخليج العربي وشرق أفريقيا إلى موانئ البحر الأحمر، فقناة السويس، فالبحر الأبيض المتوسط وشمال أوروبا، وصولاً إلى أميركا.
ومن يريد أو يطمح إلى السيطرة على البحار السبعة، عليه وضع اليد أولا واخيرا على هذا الممر الحيوي الذي يعبره نحو ثلث الإنتاج العالمي للنفط ، حيث تزداد أهميته الاستراتيجية لتداخله مع مضيق هرمز وقناة السويس ، وبسبب هذا البعد الاستراتيجي والعامل الحيوي ، زاد طمع دول الناتو واسرائيل والسعودية والامارات به بعد اكتشاف النفط والغاز في أنحاء عدة من اليمن ، وبالتالي لايمكن السيطرة على باب المندب من دون وضع اليد على اليمن السعيد وبسبب هذه العوامل الاستراتيجية شُنّت عليه حروب عدة كانت آخرها «عدوان عاصفة الحزم » التي قادتها السعودية التي نعيش ذكراها اليوم وهي تدخل عامها السابع وأدت إلى سقوط آلاف الشهداء الابرياء من المدنيين والمقاومين للعدوان ، وتدمير كامل للبنى التحتية والمنشئات الاقتصادية والمدراس والجامعات والمستشفيات من خلال استخدام كافة اسلحة الدمار الشامل التي أسقطتها عشرات الاف الغارات الجوية اليومية للطائرات السعودية والاماراتية والخليجية وحتى الاسرائيلية ، وانتشار مختلف الامراض الأوبئة ونقص حاد في الغذاء والدواء حتى وصلت الى حدود المجاعة وموتو أول قتل طفل كل عشرة دقائق وفقا لتقارير مؤسسات الامم المتحدة فضلا عن تشريد مئات الاف النازحين عن مناطق سكناهم .
كل ذلك يأتي من جارة السوء مملكة آل سعود المسكونة بوصية الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود ( قوة السعودية في ضعف اليمن ، وعز السعودية في ذل اليمن )ظلت طوال تاريخها السياسي تتنمر و تتآمر على اليمن وتحرم شعبه من استغلال خيراته بشكل مباشر عن طريق تدخلها وتحكمها السافر في الشأن الداخلي اليمني عن طريق مصادرة قراره السياسي وإرادته في تحقيق مصيره أو عن طريق غير مباشر من خلال منع الدول والشركات العالمية والاقليمية من الاستثمار في تنمية وبناء اليمن !!
ولما حاولت الجمهورية الاسلامية الايرانية التقارب مع هذا البلد الغني في موارده وعزته وكرامته الفقير في معاشه ودخله ، واعلنت مع حكومة الانقاذ اليمنية في 12/3/2015 عن التوقيع على اتفاق شراكة اقتصادية مع إيران يشمل عدة مجالات، وفي مقدمتها النفط والتجارة والكهرباء. وإعادة اعمار اليمن وتحسين بنيته التحتية وتطوير موانئه ومطاراته ومصافي النفط والغاز ، قامت قيامة المملكة ومشيخات الخليج وسيدهم الامريكي ووزيرهم البريطاني !! ، لانهم وجدوا فيها اتفاقية اقتصادية ذات اطار استراتيجي تمنح اليمن القوة والاستقلال والسيادة على اراضيها و تضع قدمها على طريق التحكم في مواردها وثرواتها وموانئها ومماراتها المائية ، وهذا أخوف ما يخافه السعوديون من تحول اليمن الى قوة اقتصادية وسياسية ، ولعل هذه الاتفاقية ان لم تكن السبب الرئيس في شن السعوية وامريكا عدوانهم علي اليمن ، فهي أحد الاسباب الرئيسة .
فكان العدوان السعودي – الخليجي الامريكي الخاطف عام 2015 ، كما زعموا !! ، ينتهي بالسعودية الى متسول ومتسكع على ابواب السفارات واعتاب ابواب البيت الابيض وداوني ستريت والامم المتحدة في نيويورك !! ، طلبا لوقف الحرب !! ، بعد أن حولها عدوانها على اليمن من الغنى الى الفقر و من فائض الميزانية الى العجز و ومن الدائنة والمانحة الى المديونية والمغتصبة لأموال امرائها وتجارها !! ، حيث أفاد تقرير نشره موقع «ميدل إيست آي» الإخباري أن شركة النفط السعودية العملاقة أرامكو أعلنت يوم الأحد الماضي عن تراجع أرباحها بنسبة 44.4% لعام 2020 ، وأوضح التقرير أن شركة أرامكو، «البقرة الحلوب» للسعودية، كشفت عن تراجعات متتالية تعرَّضت لها أرباح الشركة منذ أن بدأت في الإفصاح عن أرباحها في عام 2019. ويزداد تراجع أرباح أرامكو المتوالي بسبب تمويل الحرب العدوان على اليمن ، وأصدرت شركة النفط العملاقة، بيانًا قالت فيه: «حققت أرامكو صافي ربح بلغ 49 مليار دولار في عام 2020، مقابل 88.2 مليار دولار في عام 2019» ، فضلا عن الاف القتلى في صفوف جيشها ومرتزقتها وخسارتها لعشرات الالاف من الاليات العسكرية وعشرات الطائرات المسيرة واطنان الاسلحة والعتاد ، وفي المقابل تحولت انصار الله وحكومتها وحلفائها الى قوة إقليمية يحسب لها الف الف حساب حيث وقفت بصمود وشموخ وثبات وتحدي أسطوري لعدوان شاركت فيه عشرات الدول على رأسها امريكا حلف الناتو وجيوش الخليج ومصر والمغرب والسودان ، فمرغت أنوف الجميع التراب ولقنتهم دروسا في المقاومة لم يألفوها وفنون وتكتيكات في الحرب لم يعرفوها ، وعجزت آلاتهم الحربية المتطورة وأدمغتهم العسكرية عن مواجهتها !! ، وأنا على يقين بان حلف الناتو سيدخل هذه الدروس والفنون والتكتيكات الحربية اليمنية في مدارسه الحربية التي تعتمد اساسا على آخر مبتكرات التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي .
وفي النهاية كلما طال أمد الحرب إزدادت انصار الله وحلفائها وحكومتها وجمهورها وشعبها تطورا وقوة وقدرة وردعا وصمودا وثباتا وصبرا ويقينا في النصر ، وزادت امريكا والسعودية والامارات إنكسارا وانكفاء وتكبدا المزيد من الهزائم والخسائر والعجز والمديونية والتقشف وارتماء أوسع في أحضان الكيان المغتصب والصهيونية ، وسقوط مدوي في عالم الانسانية والشرف والدين والاخلاق .