اليمن المنتصر يكتب التاريخ
بقلم/ أحمد فؤاد
لسنوات طويلة خلت، منذ انتهاء عصر الحرب الباردة، وقبل زمن الصعود الصيني والوجود الروسي الجديد، ظلت الولايات المتحدة الأميركية هي الفاعل الأوحد في شؤون الشرق الأوسط، المتصرف الأول، كلي الجبروت والهيمنة والسيطرة.
استمرت المعادلة الظالمة قائمة ومفروضة بقوة السلاح وجهد الخونة، حتى يوم مشرق من شهر كانون الثاني/يناير من العام الفائت، يوم طوى دم الجنرال قاسم سليماني زمنًا كاملًا من العلو الأميركي، وكسر نفيره، ومزّق أساطيره، وسيئت وجوههم، ووجوه أتباعهم من سكان القصور العربية.
والحديث عن قصف قاعدة عين الأسد الأميركية في العراق ليس فعلًا هينًا، ثم إنه ليس رطانة فارغة، ولا يدور عن دقة الصواريخ الإيرانية أو مداها، وما طرأ عليها من تطور مذهل رغم سنوات الحصار الدولي الطويل، لكنه حديث له ما بعده، فلم يحدث منذ دخول راعي البقر إلى المنطقة أن عُوقب عسكريًا، وعلى مرأى ومسمع العالم، على ذنب قد اقترفه في حق الدماء التي سالت أنهارًا هنا.
مناقشة الرد الإيراني على استشهاد الجنرال سليماني لا تأتي من ماضِ فات وقته، لكنه استشراف مستقبل المنطقة كلها، بعد تخطي ومجاوزة كل ما كان يعتقد أنه خطوط حمر على الفعل المقاوم، في إحدى حلقات تجلياتها الجبارة، وبواكير قدرتها الخلاقة على تغيير المعادلات وكسرها، ثم كنسها إلى قمامة التاريخ.
ثم جاء اليمني الصابر، ليستكمل مشوارًا طويلًا نحو قطع اليد الأميركية في المنطقة، والأهم: كسر آل سعود، خنجر واشنطن الخبيث في ظهر كل حر بالمنطقة.
يدخل اليمن العام السابع من حرب ظالمة، فُرضت عليه فرضًا، بمعطيات مختلفة جدا، لم يعد اليمن ساحة لتجريب القنابل، وميدانًا لرماية طائرات آل سعود، لم يعد ذبيحًا ينزف في صمت، بل فاعل يذود عن شعوب بأكملها، قادر على الردع وإلقاء الرعب في قلوب الظالمين.
الارتفاع اليمني الجبار والرائع في القدرة على الرد والإيلام، والاستهداف شبه اليومي للمناطق والقواعد العسكرية والبنى الاقتصادية للسعودية، وبالتوازي معه، التقدم المستمر على الأرض، والاقتراب من تحرير مأرب تمامًا، هو ما يستكمل لبنات ضرورية لإغلاق تام وكامل لصفحة أخيرة في تاريخ شعوب المنطقة.
قبل 6 سنوات، وقف محمد بن سلمان مبشرًا بانتصار سهل في ظرف أسابيع قليلة، يغازل خياله الحصول على كل ما يحتاجه من بلد ممزق، الاحترام المحلي والرضا الأميركي والدور الإقليمي، ثم مجد القادة المنتصرين، ليعزز موقعه في البيت السعودي المتشقق.
العدوان السعودي – الإماراتي كان فاشلًا منذ البداية، واستمر يتخبط في الفشل والضياع رغم الدعم الغربي والصهيوني المكثف. انتصرت إرادة الصمود اليمني وروح الإيمان التي سكنتها على كل تكتيكات وخطط العدو، وأي مقارنة بين اليمن وقلب دول الخليج الفارسي الهش، ترجح فورًا الكفة اليمنية، سواء بالوزن السكاني، 30 مليون يمني، والذي يعادل مواطني دول الخليج الفارسي مجتمعين، أو بالوزن الحضاري، حيث تعد اليمن واحدة من دول الحضارات القديمة، والتي تعطي للمواطن نَفَسًا أطول ودوافع أعمق للقتال دون أرضه، وكذلك بكون اليمن هو النظام الجمهوري والوحيد بالجزيرة العربية، والذي يتخذ شكل الدولة الحديثة، في مواجهة دول قبلية، قائمة على اعتبارات أسرية، لا يسند وجودها سوى التدفقات المالية وإرادة خارجية، كانت السبب في وجودها.
وإذا كانت نتائج الحروب تقاس بمواقع القوات قبل وبعد انفجار الأزمة، فإن اليمن انتصر بالتأكيد، وإذا كانت تقاس بما تحقق من أهداف، فالصراخ والولولة السعودية على ضرب مصافي شركة “أرامكو” قبل أيام، تصلح عنوانًا للعام الجديد من الحرب على اليمن، وسعي آل سعود لتقديم مبادرة تحفظ ما تبقى من هيبتهم، وتقدم كقطعة لحم لإعلامهم، لتبرير الفشل الذريع هي الأخرى دليل الإفلاس والضياع الكاملين.
الآن فقط، ومع قرب النصر اليمني على آل سعود، يخرج من أسمعونا سيمفونيات الصمت وألحان النأي بالنفس وقت أن كان الدم الزكي سيالًا على أرض اليمن، من جحورهم مع الرد اليمني على كل جريمة حرب سعودي ضدهم، متضامنين مع البادئ بالعدوان، مثل الجامعة العربية التي صارت تستبق بيانات الخارجية السعودية بإدانة كل رد يمني على جرائم قصف المدنيين والأطفال.
6 سنوات كاملة واليمن يذبح، 6 سنوات واليمن يباد بالمحرم وغير المحرم من أفتك أسلحة الغرب، 6 سنوات وجرائم الصهاينة فى فلسطين تبدو صورًا باهتة بجوارها، 6 سنوات ومأساة اليمن تطبع العار على وجه كل عربي ومسلم صامت.
صمتت جامعة الأعراب دهرًا، وحين حلت ساعة الحساب، استيقظ ضمير أرباب البترودولار، وجرحت إنسانيتهم، وقامت قيامتهم.