بقلم/ عبدالحميد الغرباني
هل يمكن عد رفع الولايات المتحدة الأمريكية لأنصار الله مما يسمى قائمة الجماعات الإرهابية؟ والإعلان عن وقف تسليح السلطة السعودية شواهد على رغبة وتوجه أمريكي لإنجاز حل سياسي في اليمن ؟ لا يمكن الإجابة على هذا السؤال إلا من خلال معرفة إذا ما كان التصنيف الأمريكي ذا قيمة عدائية مضافة وأن المجال مايزال سانحا أمامه لخلق نتائج وتداعيات عقابية جديدة كان اليمن منذ ست سنوات مضت بمنأى عنها ولم يمس الشعب ضرها وبالتالي تغي التصنيف الأمريكي تحقيقها ؟ في هذا التفصيل الإجابة عن كل ما سبق، وبالتأكيد لن نذهب إلى سوق إجابات إعتباطية أو تقديم مجرد تخامين أو إجابات دون تفاصيل ومعطيات تقر الأمر أو تنفيه ، لابد أولا من معرفة أن الإستراتيجية الأمريكية المتعلقة بتصنيف القوى المناهضة لسياسيات أمريكا كجمعات إرهابية ترتبط بغايتين أمريكيتين بدرجة رئيسية:
أولا: تغيير سلوك القوى المستهدفة بالتصنيف في أعلى تقدير وإخضاعها على إجراء تغيير في إستراتيجيتها المناوئة للسياسة الأمريكية والمواجهة لها.
ثانيا: يرتبط التصنيف بتقييد قدرة القوى المستهدفة على الاستمرار في المواجهة والصمود ورفع كلفة ذلك في أدنى تقدير من خلال الإمساك بأوراق قوة ضد البيئة الحاضنة للقوى الثورية وتعريضها لشتى أنواع الضغوط على المستوى المعيشي لخلق حالة من الإرتداد الشعبي عن خيارتها الثورية المستقلة بشكل عام والحد بشكل خاص من قدرتها على التحرك حول العالم على المستوى السياسي والدبلوماسي.
في سبيل ذلك ترتب واشنطن إجراءات عدائية تجاه الدول والقوى المناوئة لسياستها والمواجهة لنفوذها، لا بل وصولا للأفراد ومن هذه الإجراءات العدائية:
_ حظر جميع الممتلكات والمصالح في الممتلكات للكيانات المصنفة أمريكيا ضمن قائمة المجموعات الإرهابية.
_حظر أي تعامل أو تداول في الممتلكات أو المصالح التي تم حظرها بموجب التصنيف الأمريكي ويتضمن هذا الحظر على سبيل المثال لا الحصر تقديم أو تلقي أي أموال وسلع وخدمات لمنفعة الأفراد أو الكيانات المصنفة.
وهذا يعني أن الاستهداف الأمريكي يتركز على قطع أجنحة العملية التجارية ( حركة الواردات والصادرات ) من وإلى اليمن، ويرتبط بمنظومة حصار شبه شاملة تتجاوز القيود التجارية على تدفق السلع من وإلى اليمن إلى تجفيف موارد الميزانية العامة للدولة وعزل النظام المالي و المصرفي وإخضاع القطاعات الخاصة والحد من أنشطته واستثماراته المختلفة والتوجيه القسري لتحويلات المغتربين اليمنيين إلى المدن الواقعة تحت الاحتلال وصولا إلى وضع قيود صارمة على المساعدات الخارجية، بالإضافة إلى القيود المالية المتنوعة.
مظاهر الحصار المفروض على اليمن
بالنظر في الواقع اليمني طيلة الفترة الممتدة من نهاية مارس 2015 م وحتى الآن سنجد أن النتائج العقابية المتوخاة من التصنيف الأمريكي حاصلة وأن اليمن منذ ست سنوات مضت لم يكن بمنأى عن ذلك وقد مس الشعب ضر ذلك وتداعياته بعد أن عملت القوى المعادية لليمن وعلى رأسها أمريكا والسعودية على تطويق البلاد اقتصادياً ، فعمدت لاستهداف مقدراته الإقتصادية ومختلف قطاعاته الإنتاجية والخدمية والبنية التحتية وذلك من خلال العدوان والحصار معا وفقط قد يكون ذلك بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر ونستعرض هنا أهم المظاهر الذي تجلي ذلك بشكل إجمالي:
أولا: تطويق المالية العامة للدولة وعزلها عن مصادر التمويل.
على قاعدة تجفيف الموارد المادية والمالية للبلاد ومحاصرة الدور الحيوي المتوقع أن تلعبه في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية_ في ظل سلطة نزيهة ومستقلة_ استهدفت قوى العدوان والنفاق، المالية العامة للدولة وكل ماله علاقة بإيرادات الموازنة العامة للدولة وأهمها:
1_الإيرادات النفطية من خلال تعطيل إنتاج النفط والغاز الطبيعي المسال في المرحلة الأولى من العدوان والحصار على اليمن ثم من خلال نهب الإيرادات النفطية المختلفة ( النفط المصدر والنفط المباع محليا والغاز المصدر والغاز المباع محليا) قبل المنافقين بتشكيلاتهم المختلفة.
أما النتيجة التي تغيتها قوى العدوان والحصار فمحاصرة الموازنة العامة للدولة من المورد الرئيسي لها ( تمثل الإيرادات النفطية 70% من إجمالي الإيرادات العامة والمصدر الأول للعملة الصعبة ) ومن المعروف أن هذه النتيجة والأثر الكارثي مستمر حتى الآن و بالتالي فإن الإعلان الأمريكي بضم أنصار الله ضمن مايسمى الجماعات الإرهابية لم يضف جديدا على هذا الصعيد كما أن التراجع الأمريكي عن الضم لن يلغي الأثر الكارثي فما قيمته؟ للعلم الأمر قائم منذ إدارة أوباما ونائبه بايدن واستمر في سنوات ترامب وهاهو مستمر في سنوات بايدن ولا جديد سوى دبلوماسية مخادعة ومنكشفة في ذات الوقت.
2 _ الحصيلة الضريبية.
تعد الموارد الضريبية المرتبطة بالتجارة الخارجية من أهم مصادر تمويل الموازنة العامة ومن أهم مصادر النقد الأجنبي للاقتصاد الوطني ولتغذية الإحتياطيات الخارجية للبنك المركزي اليمني، أي أنها تصنف من الموارد المستدامة ولهذا حرصت القوى المعتدية على اليمن على تعطيل تعبئة الموارد الضريبية من خلال تقييد حركة التجارة فعطلت الأنشطة الموجهة للتصدير السلعية والخدمية و الزراعية وحتى صادرات الأسماك، بالتزامن مع ذلك وضعت واردات اليمن المختلفة تحت قيود تعسفية ممنهجة _ وحوصرت بشكل كلي أكثر من أربع مائة صنف من واردات اليمن بينها مجموعة كبيرة وواسعة من المستلزمات الطبية_ ووقعت المواد الخام ومستلزمات الإنتاج تحت الحصار الأمريكي وهو ما عرض المصانع الغذائية المحلية للتوقف كليا أو جزئيا.
ومنذ العام الثاني للعدوان تم محاصرة خطوط النقل البحري الأساسية ( ثمانية من خطوط نقل الحاويات ) عن الإبحار إلى موانئ الحديدة بشكل كلي أيضا ومذاك لم تعد تصل لميناء الحديدة سوى سفن القمح والدقيق والسكر والأرز وأعلاف الدواجن والمحروقات – قبيل أن تضمها إدارة بايدن إلى قائمة الواردات المحاصرة بشكل كلي هذا العام _ على أن هذه المواد الخمس المستوردة كانت تخضع لأشكال خاصة من الحصار المنفذ من بارجات الحصار الأمريكية ونتائج ذلك مدمرة وكثيرة ولا تتوقف عند محاصرة الموازنة العامة للدولة عن الإيرادات الضريبية والجمركية لكل ماسبق وصولا إلى تعريضها للعجز ولزيادة الدين العام وأخطر من ذلك إرتفاع نسبة إنعدام الأمن الغذائي وتدهور المستوى المعيشي و ارتفاع معدلات الفقر ، ويكفي أن نعرف أن اليمن يعد مستوردا صافيا للغذاء لتحقق من هذه النتائج الكارثية.
ثانيا: الإطباق على القطاع المصرفي وتحويلات المغتربين
سعت قوى العدوان والحصار بشكل مبكر وممنهج إلى إعاقة تحويلات المغتربين اليمنيين وتضييق الخناق عليهم عبر خطة تشديد واسعة وإجراءات تعسفية تحت ذريعة التحقق من مصادر الأموال وطلب وثائق إعتباطية بهدف شل تدفق تحويلات المغتربين اليمنيين ، كما منع اليمنيون المغتربون في دول الخليج عن تحويل أموالهم إلى الدولار أو تحويلها بالدولار ، وفي الأثناء فرضت قوى العدوان حصار مطبق على القطاع المصرفي من خلال أمور عدة أهمها:
١_تعليق البنوك الخارجية التعامل مع البنوك اليمنية في مجال التحويلات الواردة من الخارج بالدولار.
٢_تعليق البنوك الخارجية التعامل مع البنوك اليمنية في مجال فتح الإعتمادات المستندية.
٣_ عدم تمكين البنوك اليمنية من تحويل أرصدتها المتراكمة بالريال السعودي إلى دولار أمريكي _ علما أن 90 % من تحويلات المغتربين اليمنيين تحول بالريال السعودي وهي المصدر الثاني للعملة الصعبة (الدولار) _ وهو مايعني عمليا محاصرة البنوك اليمنية من تغطية الأنشطة التجارية المتعلقة بالإستيراد…
أشكال الحصار السابقة ضمن هذا المظهر ماتزال كغيرها قائمة حتى اللحظة منذ شهور العدوان الأولى ولم يكن التصنيف الأمريكي من قبل إدارة ترامب في حقيقة الأمر يضيف عنها شيئا ، كما لم يزيح منها شيئا التراجع عن التصنيف من قبل إدارة بايدن.
ثالثا: تعريض العملة الوطنية للإنكشاف أمام العملة الصعبة.
يكاد هذا المظهر نتيجة حتمية لمظاهر وأشكال الحصار السابقة المفروضة على اليمن، ذلك أن سعر الصرف يعد من أهم المؤشرات الإقتصادية المعبرة عن حالة الإقتصاد القومي للبلاد، كما يترجم حركة المعاملات وتدفق السلع والخدمات الخارجية بشكل مباشر وبشكل غير مباشر حركة الإنتاج و المبادلات الداخلية وبالتالي فالتقلبات في سعر الصرف تنعكس بشكل فوري على القوة الشرائية للعملة الوطنية و أسعار السلع والخدمات والمستوى المعيشي للسكان ، ومما لاشك فيه أن مختلف أشكال ومظاهر الحصار والعدوان على اليمن أسفرت عن تقويض إستقرار أسعار الصرف وإضعاف الثقة بالعملة الوطنية وخفض قيمتها مقابل العملات الأخرى وتعريضها للإنكشاف عبر مراكمة تدهور سعر الصرف وضرب أدوات السياسة النقدية المتبعة للحفاظ على استقرار سعر الصرف ومنع حدوث تقلبات عنيفة في سوق الصرف الأجنبي في هذا السياق من الجدير عرض الإجراءات العدائية التي حاصرت الريال الوطني عن الدفاع نفسه بشكل أكثر جدوائية مما هو حاصل بفعل السياسة النقدية المتبعة من قبل اللجنة الإقتصادية العليا.
إجراءات تعريض العملة الوطنية للحصار ودفعها للإنهيار
_السيطرة والإستحواذ على موارد الموازنة العامة للدولة من النقد الأجنبي ( النفط ، الغاز ) وإيداعها في أحد البنوك السعودية.
_ تقييد تدفق تحويلات المغتربين اليمنيين من الخارج إلى البلد حيث تشكل المورد الثاني للنقد الأجنبي في اليمن وفي المتوسط تعادل 3.3 مليار دولار سنويا..
_ تعطيل موارد النقد الأجنبي الأخرى من الخارج إلى اليمن من خلال فرض الحصار على صادرات السلع والخدمات وتعطيل السياحة.
_خلق العدوان والحصار بيئة طاردة للإستثمارات المحلية والأجنبية وغير جاذبة لرأس المال المادي والبشري ليواجه الإستثمار ظروفا عاتية أسفرت عن تداعيات خطيرة إنعكست في صورة من صورها على حجم وفرة العملات الأجنبية و مقدار الطلب عليها و سبق أن أظهر استبيان مناخ الأعمال اليمني لوكالة تنمية المنشآت الصغيرة والأصغر في يونيو 2015م أن 46 % من أصحاب المنشآت الكبيرة خططوا لنقل أعمالهم خارج اليمن وفي أغسطس -أكتوبر 2015 أن 76 % من أصحاب المنشآت لديهم توقعات متشائمة أو غموض حول مستقبل أعمالهم ، والنتيجة للإستبيان الأول في أحد وجوهها تعني اتجاه أصحاب تلك المنشآت نحو تسييل أصولهم الثابتة وتحويلها إلى الخارج في شكل عملات أجنبية، كما تعني النتيجة في الإستبيان الثاني أن ال76 % من أصحاب المنشآت يفضلون حيازة العملات الأجنبية ، كما تفيد نشرة المستجدات الإقتصادية والإجتماعية الصادرة عن وزارة التخطيط ، العدد 13 أبريل 2016 م وهنا يجدر الإشارة إلى أن تعريض مناخ الأعمال اليمني للمخاوف ووضعه تحت الحصار قد أدى إلى تهجير قسري و آخر مخطط له لأكثر من مائتي مليار دولار من رأس المال الوطني في أدنى تقدير للهيئة العامة للإستثمار كما جاء في تصريحاته الأخيرة لقناة المسيرة الفضائية.
_استهداف البنى التحتية وتدميرها وتعطيلها كليا أو جزئيا عن العمل خصوصا تلك التي تقبض جزء من عائدات خدماتها بالنقد الأجنبي كالموانئ والمطارات..
_الدفع بالإحتياطيات الخارجية للبنك المركزي اليمني للتآكل وذلك من خلال إضطراره للاستمرار في توفير النقد الأجنبي اللازم لتغطية فاتورة واردات الوقود والسلع الأساسية دون رفده بالإيرادات المركزية للبلاد لتعويض ذلك ومراكمة إحتياطياته من جديد وصولا إلى السيطرة مباشرة على باقي إحتياطياته من النقد الأجنبي في البنوك الخارجية وتجميدها من قبل أمريكا مباشرة.
رابعا: مرافق حيوية معطلة وعلى رأسها المنافذ الدولية الرئيسية للبلاد ( موانئ الحديدة _مطار صنعاء في المحصلة نجد أننا أمام جملة حقائق نثبت هنا أهمها وهي كالتالي:
_إن رفع أنصار الله عن ما يوصف أمريكيا بقائمة الجماعات الإرهابية ليست خطوة في الإتجاه نحو إحلال السلام ولاتعنى بتخفيف المعاناة الإنسانية عن الشعب اليمني الموصوفة بأكبر أزمة إنسانية في العالم وإنما مخادعة كبرى للرأي العام العالمي كما أن الخطوة كانت مدخلال للسير نحو مفاوضات ضاغطة على الوفد الوطني المفاوض _ لايستبعد أن التصنيف من أساسه مجرد تكتيك سياسي رأته المنظومة العميقة في أمريكا لتعبيد الطريق أمام الديبلوماسية المزمع أن تحكم أو قل أن تغلف السلوك العدائي لواشنطن بايدن تجاه اليمن وهكذا تبدأ هذه البلوماسية بما يظهر وكأنها نوايا حقيقية أو تنازلا أمريكيا واضحا _ وهذا يعني أن التصنيف الأمريكي لأنصار الله ثم التراجع عنه هو في حقيقة الأمر غطاء لحرب الديبلوماسية الأمريكية وهذه بدورها غطاء لمختلف الأنشطة العدائية العسكرية الأمريكية ضد الشعب اليمني والتي لم تتوقف بعد وعلى رأسها ما تكرر واشنطن نفسها الحديث عنه تحت عنوان الإلتزام بالدفاع عن حلفائها .. هذا أولا..
_ثانيا الديبلوماسية الأمريكية محاطة بالحصار المفروض على اليمن واستمرار العدوان عليه يلقي بثقله عليها وهذا يعني أن تصريحات وقف مشاركتها في العدوان على اليمن ورغبتها في إحلال السلام لا يحظى برافعة تعزز الدبلوماسية الأمريكية المعلنة وتوفر مدخلا نحوها بل محاصرة بإبقاء الحصار على اليمن و هو ما يؤكد أن أمريكا تسعى لإنجاز أهدافها المرسومة ناحية اليمن تحت ضغوطها العسكرية ( العدوان _الحصار ) وليست بعد بوارد الكف عن التدخل العدواني في الشأن اليمني و ليست جاهزة لإنجاز إتفاق بموازاة رفعها الحصار عن الشعب اليمني ، وهو مايعني أن ديبلوماسية بايدن تسير بركب ضغوط المعاناة الإنسانية الذي خلقها وما يزال يفعل ذلك الحصار المفروض على اليمن بحرا وبرا وجوا ، من قبل أمريكا في المقام الأول ، وهكذا فتصريحات الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه اليمن لا تصنع تباينا عمليا مع الإدارة السابقة ولا تعبر عن نوايا تتقدم لإنجاز اتفاق سياسي شامل يضمن لليمن استقلاله وسيادته وحقوقه المهدرة.