أمريكا ترضخ مكرهة للشروط الإيرانية
بقلم / عبدالباري عطوان
أدركت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن أنّ إيران لن ترمش أوّلًا، وأنّها جادّةٌ في تهديدها بالانسِحاب كُلِّيًّا من الاتّفاق النووي والتخلّي عن جميع التِزاماتها تُجاهه، ولهذا أوحت لحُلفائها الأوروبيين بالدّعوة إلى عقد اجتِماعٍ “غير رسميّ” في بروكسل مع الجانِب الإيراني، واعتبار هذا الاجتِماع بمثابة السُّلَّم لإنزالها عن شجرة العُقوبات، وإنقاذ ماء وجهها.
وأضاف عطوان :” أنتوني بلينكن، وزير الخارجيّة الجديد، أبلغ الّول الأوروبيّة الثّلاث المُوقّعة على الاتّفاق (بريطانيا فرنسا وألمانيا) بأنّ حُكومته مُستَعِدّةٌ للجُلوس مع إيران “بشأن عودة التِزام البلدين للاتّفاق النووي”، وذهبت إدارته إلى ما هو أبعد من ذلك عندما أبلغت مجلس الأمن الدولي بأنّها لن تُعارض “عدم تمديد” المُنظّمة الدوليّة لعُقوباتها على إيران، وخفّفت قُيود السّفر على الدّبلوماسيين الإيرانيين.
وتابع:” يُمكن القول، وباختصارٍ شديد، أنّ الإدارة الأمريكيّة الجديدة أعربت عن استِعدادها للرّضوخ الكامل للشّروط الإيرانيّة بِما في ذلك رفع العُقوبات، لأنّها توصلت إلى قناعةٍ راسخةٍ بأنّ التّلكّؤ لا يعني تنفيذ إيران لتهديداتها برفع نسب تخصيب اليورانيوم والمُضِي قُدُمًا في سياستها النوويّة الجديدة، أيّ السّير على نهج حُكومة كوريا الشماليّة وإنتاج رؤوس نوويّة “.
وأكد عطوان ” أن المعلومات المُتوفّرة لدينا تُؤكِّد أنّ إيران كانت بصدد وقف التّعامل بالكامل مع المُفتّشين الدّوليين فور انتِهاء “المُهلة الإنذار” ليلة بعد غد الأحد، وفجر الاثنين، إذا لم تُوافِق الولايات المتحدة على شُروطها بوقف “إرهابها الاقتصادي”، أيّ العُقوبات الاقتصاديّة فورًا ودُونَ أيّ مُماطلة”.
وقال ” المُكالمة الهاتفيّة التي أجراها الرئيس بايدن مع بنيامين نِتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، وبعد شهرٍ من تولّيه منصبه، ومُهاتفة أكثر من 15 زعيمًا دوليًّا، لم تَأتِ لإثبات عُلاقات الصّداقة القويّة بين البلدين، وإنّما لإبلاغ الأخير، أيّ نِتنياهو، بالقرار الأمريكي بالعودة إلى الاتّفاق النووي، وتجديد التّواصل مع الحُكومة الإيرانيّة، وكُل التّصريحات التي صدرت عن نِتنياهو، أو مكتبه، ووصفت المُكالمة التي استمرّت ساعة، بأنّها كانت “وديّة” كذبة جديدة تُضاف إلى جبلٍ هائلٍ من أكاذيبِ نِتنياهو”.
ولفت الى أن ” إيران لن تقبل إلا “برَفعٍ كاملٍ” للعُقوبات الأمريكيّة مُقابل وقف تخصيب اليورانيوم، والسّماح للمُفتّشين الدوليين بمُواصلة مهامهم، كما أنّها لن تتخلّى عن برامجها الصاروخيّة المُتطوّرة، وإن كانت ربّما مُستعدّةً للتّفاوض حول مدى هذه الصّواريخ، أيّ عدم إنتاج صواريخ عابرة للقارات يُمكِن أن تَصِل إلى العُمق الأمريكيّ على غِرار صواريخ كوريا الشماليّة (6000 كم).
وأشار الى ان :” أمريكا لا تفهم إلا لغة القوّة، ويبدو أنّ الجناح الإيراني “المُحافظ” الذي يتزعّمه المُرشد الاعلى السيّد علي خامنئي، طفَح كيله، واتّخذ قرارًا حازمًا بالعودة إلى النّهج الإيراني الذي كان مُتّبعًا قبل توقيع الاتّفاق عام 2015 الذي لا يَثِق بالوعود والاتّفاقات الأمريكيّة، ولهذا أزاح بالجناح المُعتدل إلى المقاعد الخلفيّة وجلس أمام عجلة القِيادة وبات صاحب القرار الأوحَد في المِلف النووي، ومُعظم المِلفّات الأُخرى”.
وأكد أن” الإرهاب الاقتصادي الأمريكي لإيران يَلفُظ أنفاسه الأخيرة، سواءً عادت إيران للاتّفاق النووي أو لم تَعُد، لأنّه فَشِلَ فشلًا ذريعًا في تركيعها، وتغيير النّظام بالتّالي، وجعلها تعتمد على نفسها، وتُحَقِّق الاكتِفاء الذّاتي في مُعظم المجالات، والصّناعات العسكريّة المُتطوّرة خاصّةً، وتقليص اعتِمادها على العوائد النفطيّة إلى أقل من 20 بالمِئة من إنتاجها القومي”.
واختتم عطوان مقاله بالقول : ” إيران انتصرت بصُمودها، اختلفنا معها أو اتّفقنا، لأنّها اعتمدت على نفسها، وقُواها الذاتيّة، ووجدت مُعظم شعبها يَقِف خلفها، ويُقَدِّم التّضحيات، ولا عزاء لخُصومها، والعرب منهم خاصّةً، الذين نقلوا بُندقيّتهم من الكتف الأمريكي إلى الكتف الإسرائيلي، ووجدوا أنفسهم عبيدًا عُراةً مُجرّدين من أيّ حماية، بعد أن بدّدوا سِلاحهم المالي في التّرف وتمويل حُروب الدّمار لدول عربيّة، وإنقاذ الاقتِصاد الأمريكي بشقّيه العسكريّ والمدنيّ، وباتوا يترحّمون على “العُروبة” ولكن بعد خراب مالطا “.
رأي اليوم