صنعاء ومعادلات فرض القوى
بقلم/ د. أسماء عبدالوهاب الشهاري
كان من المفترض على حكومة صنعاء وهي تسمع تصنيف ترامب لها بالحركة الإرهابية في آخر أيام وباله على الكرة الأرضية أن ترتعد خوفاً، كما كان ينبغي لها وهي تسمع خطاب بايدن الذي صرح فيه عن نوايا إداراته المزمعة في إيقاف الحرب أن تستبشر وتهلل فرحاً، هكذا يظن العبيد وأسيادهم، لأنهم لم يتعلموا طوال سنوات العدوان على اليمن ما معنى أن تمتلك سيادتك وقرارك بنفسك وإن حاربك الكون بأسره عليها فإنك لن تتخلى عنها مهما كان ومهما يكون.
توالت الأحداث بعد ذلك، لكن هذه المرة كانت صنعاء هي من ترعد وتزمجر، ليس بالخطابات ولا بالاستجداءات ولكن بالصواريخ والمسيرات، وبوقع أقدام الأباة حول مأرب وعلى أبوابها، ولم تتوقف عند ذلك بل أخذت زمام المبادرة مرة أخرى في كشف المؤامرات وإسقاط الطائرات، وإن لذلك كله ما وراءه من الدلالات، وأمام قائمتها الطويلة من الأهداف والخيارات فمن أين عليها أن تبدأ هل من مطار أبها أم قاعدة خميس مشيط وقاعدة الملك خالد الدولية، كما لم يكن هناك وقتا طويلاً بين الهدف الأول والثاني وكأنها على عجلةٍ من أمرها كيف لا وهنالك الملايين من أبناء شعبها يعانون الأمرين بين عدوانٍ وتكثيفٍ للغارات وبين حصارٍ خانق وممارسة القرصنة البحرية على سفن المشتقات النفطية ومنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة وحبسها في عرض البحر.
قد لا نستطيع القول بأن صنعاء لا تعر التصريحات أو المواقف من حولها اهتماماً بشكلٍ مطلق، فهي قد تجدها إيجابية في كونها اعتراف بفشل المسار العسكري وإعلان مبطن عن اختلاف موازين الحرب واتخاذها منحىً آخر، وبالأخص عندما تكون على لسان قادة العدوان الأصليين، لكن على ما يبدو أنها تعلمت الكثير طيلة الفترة الماضية، وفي قائمة ذلك أنه لا يمكن بمكان إحلال السلام أو أي حديث عنه ما لم تكن هناك خطوات عملية لوقف العدوان ورفع الحصار أما ما عدا ذلك فتظل تصريحات جوفاء قد لا تخلوا من النفاق السياسي، فهي قد تستخدم للماطلة أو الخدعة، بل ربما على العكس، عندما يتم الحديث عن السلام قد يعد ذلك مؤشراً لدق ناقوس الخطر وأن هناك حيلة ما يتم الإعداد لها ويجب أخذ الحذر منها وتوقع حدوثها والأفضل دائماً هو درأ الشر قبل حدوثه، قد يكون ذلك بشكل هجمات وضربات استباقية يتم شنها على مملكة الشر – الممول الرئيس للعدوان- وهكذا يتم ضرب رأس الأفعى حتى تصاب بالدوار هي ومن وراءها، فتُقيد أيديهم عن أي ضربة مباغتة بعد أن تكون الحيرة قد أكلت قلوبهم وهم يتساءلون “لماذا لا تنطلي ألاعيبهم المرة تلو الأخرى على حكومة صنعاء، ولماذا يفقدون دائماً زمام المبادرة أمامها؟
وفي الجهة المقابلة لم تعد تهتم حكومة صنعاء كثيراً بماذا قد يعتقده الآخرون لعدم تقديسها لأمريكا وتصريحاتها المتناقضة، لأنها باتت تدرك تماماً أنه في نهاية المطاف لن يتم الاعتراف إلا بموازين القوى ومن يفرض معادلاته على الأرض.
موقع رأي اليوم