قرارات بايدن.. محاولةٌ لإنقاذ السعودية وتحسين صورة أمريكا
بقلم/ غالب المقدم
على مشارفِ العامِ السابعِ ودولةُ العدوان السعودية تحاولُ أن تظهر أنها بموقفِ القوة والقدرة على الدفاع عن أمنها القومي كما تدّعي، لكن الإدارةَ الأمريكية باتت تعرفُ أنها تجري وراء وَهْــم، وأن مواصلةَ السير في هذا المسار نهايتُه الانهيارُ التامُّ للسعودية وغيرها من حلفائها، وهذا ما دفع الرئيسَ الأمريكي، جو بايدن، في خطابه الأخير، إلى الإفصاحِ عن رغبتها بعدم المواصلة في هذا المسار الخاطئ، وهذا الإفصاحُ له قراءات عدة:
أولًا: رغبة الولاية المتحدة الأمريكية في إنقاذ حليفتها السعودية؛ لأَنَّها تدرك أن أدواتها في المنطقة تمر بلحظات ضعفٍ شديدٍ، وتغرق في مستنقع انزلقت فيه، يصعُبُ الخروجُ منه، نتيجةَ أوهامها، وحساباتها الخاطئة، التي أوردتها المهالِكَ، فأصبح يبتلعُها شيئاً فشيئاً، حتى أصبحت هذه الأدوات عاجزةً عن استعادة نفسها، والعودة إلى المربع الأول لها ما قبل العدوان.
كما أنها تحاولُ إنقاذَ شرف السلاح الأمريكي الذي هُزم بهزيمة الدول التي قادت العدوان على اليمن، ومرغ في التراب، ولم يحقّق شيئاً، ولا أي إنجاز سوى هشاشته، وعجزهِ الذي فضح أمام العالم كله.
ثانيًا: تأتي حساباتُ الإدارة الأمريكية، من باب مبدأ تحقيق المكسب والخسارة في أهدافها الاستراتيجية “السياسية والاقتصادية”، وهذا ما تحسب له الدول التي تشعر بالشعور الإمبراطوري، وتعمل دائماً على إعادة تقييم الأمور، وترى أين مواطن الربح وأين مكامن الخسارة. وعلى هذا الأَسَاس تتصرف. وبما أن أمريكا قد حقّقت إنجازاً في الجانب الاقتصادي من خلال المكاسب المادية العالية، التي أُدخلت للخزانة الأمريكية، عبر ابتزاز ترامب لدول الخليج، وعلى رأسها السعودية، وبيع عشرات الصفقات من الأسلحة، إلا أنها جُرعت الخسائر السياسية، وبشكل كبير وغير مسبوق ولا في أية مرحلة من مراحلها الطويلة.
بدأت أولى خسائر السياسة الأمريكية، في عهد ترامب، خارجيًّا وداخليًّا، فقد عرّى المشهد وأظهر الوجه الحقيقي للسياسة الأمريكية، وأزاح القناع الجميل وكشّر في وجه العالم كله، وهشم الزجاجَ الذي كان يمنحُها ذلك البريقَ المُبهرَ أمام العالم، فأصبحت صورةُ أمريكا مشوهةً تماماً، وبالأخص عند شعوب العالم العربي، الذي حاول أن يدمّـرَه بكل ما أوتي من قوة، والذي ذاق الوجعَ والألمَ على يد أتباع أمريكا في المنطقة.
وثانيها، وهي ضربُ أركان الدولة الأمريكية من الداخل، بخلخلةِ السياسة، بزرعِه بذورَ الفتنة الداخلية من خلال إظهار العُنصرية والعِرقية، وشرخ المجتمع الأمريكي وتفكيكِه عبر إنشاء الجماعات والتكتلات، المسلحة التي لا تحتكمُ للقانون، ولم يكتفِ بذلك، بل واصل حتى أظهر زيفَ الديمقراطية الأمريكية، التي هوت بأمريكا من على عرشِ التزعُّم العالمي في النهج الديمقراطي، كما كان يظهرُ لعوام العالم، ومحاولة إفساد المحكمة الدستورية، واقتحام مبنى الكونجرس، وعدم اعترافِهِ بفوز خصمِه، وكسر التقليد الأمريكي في دورة التسليم والاستلام، كُـلُّ هذه العوامل أَدَّت إلى مراجعةٍ جذريةٍ وحقيقيةٍ في نهج السياسة الأمريكية.
ثالثًا: أمريكا تدركُ أن قوى محور المقاومة أصبحت خصمًا لا يُستهانُ به، وعودًا صلبًا لا يمكن كسرُه، كما أنها تقدّرُ حجمَ الخطر القادم من الشرق، وتنامي القوة فيه، كالصين وروسيا وإيران، والتي باتت تهدّدُ الوجودَ الأمريكي، في منطقة الشرق الأوسط، وتبشر بخروجها المشؤوم منه.
خلاصة القول.. إن الإدارةَ الأمريكيةَ تسعى إلى محاولةِ ترميمِ ما أفسد ودمّـر في عهد الإدارة الجمهورية، من سياسات، وإصلاح النظرة العامة واستعادة الرضى عنها، وتعلم أن الشعوبَ باتت في حالةِ عداءٍ صريحٍ وواضحٍ لها، وأن موازينَ القوة تغيَّرت إلى صالح مَن تراهم خصومًا (محور المقاومة)، فالسياسة الأمريكية، لا ترى إلا مصالحها، وما القراراتُ الأخيرة إلا اعترافٌ بأنها أخطأت التقديرات وخانتها الحسابات، وأن مصالحها قد تضررت أكثر مما استفادت، وخسرت أكثرَ مما ربحت، وهُزمت، ولم تحقّقْ أيَّ شيء يُذكر سوى الخسارة وخيبات الأمل.