أعدها مركز أبجد.. دراسة تكشف عن تدني كبير في التزام المنظمات اليمنية بنظمها الداخلية ولوائحها التنفيذية»
شهارة نت – صنعاء
خلصت دراسة أعدّها مركز أبجد للدراسات والتنمية عن (واقع الحوكمة لدى منظمات المجتمع المدني في اليمن) إلى «هيمنة المنظمات التي تعمل في مجال التنمية بمفهومها الاجتماعي والاقتصادي، وتدهور المنظمات التي تعمل في مجال الحقوق المدنية والسياسية. واتضح أيضاً، تزايد أعداد المؤسسات على حساب الجمعيات».
وكشفت الدراسة التي أعدها فريق من الباحثين، بتمويل من برنامج الحكم الرشيد التابع للوكالة الألمانية للتعاون الدولي GIZ «معاناة معظم المنظمات، من جوانب قصور في الأطر المؤسسية الحاكمة للمنظمات (النظام الأساسي، اللوائح التنفيذية)، فضلاً عن عدم الالتزام بها، وهي أطر تقليدية، ولا تعتمد قواعد الحوكمة ومبادئها».
كما أظهرت «معاناة معظم المنظمات، من جوانب قصور في الهيكلية الإدارية، ومن ذلك، عدم انتظام اجتماعات مجالس الإدارة العليا، لعدم التزام كثير من الأعضاء بذلك، وعدم وجود لجنة أو طرف للرقابة الداخلية في كثير من المنظمات، والأمر كـذلك بالنسبة للمراقب الخارجي، وإدارة رئيس المنظمة (رئيس الإدارة العليا) للأعمال اليومية للمنظمة في معظم المنظمات، وعدم الفصل بين مسؤوليات الإدارة العليا، والمسؤول التنفيذي (رئيس المنظمة، المدير العام أو التنفيذي، الأمين العام). ويعني ذلـك، قيام المسؤول التنفيذي في معظم المنظمات، بمسؤوليات الإدارة العليا، ومسؤوليات المدير التنفيذي في الوقت ذاته».
وفضلاً عن ذلك، لا وجود للتخطيط الاستراتيجي في منظمات المجتمع المدني، ولا حتى لخطط وموازنات سنويـة، بل تعتمد على خطط لبرامج قصيرة ومشاريع، وموازنة لكل منها، تنفذ في العام. ويعني ذلك، أنه لا وجود لرؤية مكتوبة ورسالة في معظم المنظمات، إن لم يكن كلها. ولذا، فإن العمليات والأنشطة التي تتم، هي لتنفيذ البرامج والمشاريع فقط. ومع ذلك، فإن المؤسسات التي لها تمويلات منتظمة، وهي قلة، تتولى إعداد خططاً وموازنات للعام، وفقاً للظروف وليس اعتماداً على استراتيجية طويلة الأجل. وفضلاً عن ذلك، ليس هناك عملية مستمرة للرقابة في معظم المنظمات، كما لا يتم إجراء تقييم داخلي، ولا وجود لتقييم الأثر للبرامج والمشاريع التي تنفذها المنظمات.
واتضح من بحث وضع الموارد القائمة في المنظمات، أنها تواجه أو تعاني من مشكلات متعددة، لعل من أهمها، تدني الاعتماد على المتطوعين في تنفيذ البرامج والمشاريع، وارتفاع الإحلال محل العاملين الذين يتركون العمل، وعدم وجود آليات واضحة لشغر الوظائف، وللشراكة، والمساءلة الداخلية، فضلا عن جوانب قصور متعددة في قدرات العاملين ومهاراتهم ومنهم أعضاء الإدارة، ومن أهم جوانب القصور، قصور في المهارات العامة (اتصال، إدارة فرق العمل، لغات أجنبية، كتابة التقارير)، وقصور في قدرات تخصصية ومهارات مهمة للغاية لمجالات عمل المنظمات، مثل التخطيط التنفيذي، وإدارة المشاريع، والمراجعة الداخلية، والتقييم الداخلي، وتقييم الأثر، وحل المشكلات واتخاذ القرار، والبحث بالمشاركة، وتعتمد معظم المنظمات، على مصادر تمويل غير مستدامة ولا منتظمة، ويتصدرها منح المنظمات ووكالات التنمية الدولية وتمويلاتها، والتبرعات من شركات ورجال أعمال في اليمن ومن خارجه، والتمويل الذاتي، وقلة من المنظمات تعتمد على تمويل منتظم من الحكومة، ومن شركات قطاع خاص، أما التبرعات من أفراد المجتمع، فلم تعد تذكر. ويبدو أن عدم إشراك أفراد المجتمع ومؤسساته وشركاته، في قرارات المنظمات، وعدم إعمالها للشفافية، سببين رئيسين لتدني الاستفادة من المتطوعين في العمل، وفي ندرة التبرعات المجتمعية للمنظمات.. وتعاني معظم المنظمات، من قصور التجهيزات المادية واستخدام وسائل الاتصال المعاصرة. وفي محاولة للتعرف على ممارسة مبادئ الحوكمة الرئيسية في منظمات المجتمع المدني، اتضح تدني المشاركة الداخلية في قرارات المنظمات، وندرة مشاركة المنظمة مع أطراف محلية (السلطة المحلية، منظمات أخرى) في برامج ومشاريع، وأن المنظمات، لا تطبق مبدأ الشفافية، باستثناء عدداً لا يتجاوز أًصابع اليد، تنشر تقاريرها وبياناتها على مواقعها الالكترونية.
كما يوجد تـدني كبير في التزام معظم المنظمات لنظمها الداخلية ولوائحها (إنفاذ القانون)، ولا تستقطع ضرائب الإجور، ولا تطبق التأمين الاجتماعي للعاملين أيضاً.
وتكاد المساءلة الداخلية في المنظمات نادرة، ولا وجود للمساءلة الخارجية لها، باستثناء ما تقدمه من تقارير لوزارة الشؤون الاجتماعية، عند التقدم بطلب «تجديد الترخيص» بداية كل عام.. ولذا، فإن مؤشر الحوكمة، يشير إلى أنها في وضع سيء، أي أنه لا يوجد إعمال للحوكمة في منظمات المجتمع المدني.
أمـا من حيث المشكلات التي تواجه المنظمات، فتمثل على المستوى الخارجي، في قصور القانــون، والقيــود التي تفـرض على العمـل والترخيـص وإعادة التجديد، ورخص تنفيذ مشاريع ممـولة من المنظمات ووكالات التنمية الدولية، مع وجود تمييز في ذلك بين المنظمات، وتـأثر سلبي كبير بالتدهور الاقتصادي العام، وتدني وعي المجتمع.. وسوء العلاقة مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وكان للحرب وتبعاتها، آثار سلبية مهمة على المنظمات، ومنها معـوقات في ممارسة العمل، وتوقف التمويل للبعض، وانخفاضه لبعضها..
ومن المشكلات الداخلية المهمة المستنتجة، ضعف القيم لدى الإدارة والعاملين، وضعف إدراك مبادئ العمل المدني الخيري».
وقد توجهت التوصيات ومقترحاتها، نحو تطوير قانون الجمعيات والمؤسسات والتخلص من ثـغراته، وتوعية المجتمع بمبادئ العمل المدني، ووضع نظام لاعتماد المنظمات ومعايير لتحديدها من حيث الحجم، وإعادة هيكلة القائم منها، وتطوير الأطر المؤسسية للمنظمات، وتنمية قدراتها، وإعداد أدلة شاملة لإعمال الحوكمة في المنظمات، وتنويع مصادر التمويل، وضرورة الشراكة في ذلك بين الأطراف الفاعلة (المنظمات ووكالات التنمية الدولية، وزارة الشؤون الاجتماعية، منظمات المجتمع المدني)، وأنه يفترض بالمنظمات أن تتشارك في مجموعات وفقاً لمجال العمل، لتطوير أطرها الحاكمة.
إلى ذلك قال الأخ فؤاد النهاري رئيس مركز أبجد للدراسات والتنمية «أن هذه الدراسة تعد من أهم الدراسات التي تتناول واقع المنظمات في اليمن وكيفية تعاملها مع مبادئ الحوكمة.. وبالرغم من إعدادها في فترة عصيبة يشهدها الوطن، وفي ظل ظروف غير اعتيادية تعمل في ظلها منظمات المجتمع المدني، إلا أنها أستطاعت استنطاق بعض الجوانب في طبيعة عمل هذه المنظمات في اليمن».
وأضاف «يروم مركز أبجد للدراسات والتنمية، ومعه كثير من المنظمات في اليمن، الوصول إلى مستوى متقدم من إعمال مبادئ الحوكمة وتعزيز الشفافية في أداء المنظمات.. بحيث تكون المنظمات اليمنية نموذجا متفرداً في هذا الجانب، تضاهي مثيلاتها في دول العالم المتقدم.. وصولاً إلى التأثير على السياسات الحكومية لإعمال الحوكمة في مختلف مؤسساتها».
وأشار إلى أنه «من المتوقع أن تمثل نتائج هذه الدراسة أساساً يمكن البناء عليه، للعمل في هذا الموضوع، وتركيز الإهتمام في بناء قدرات المنظمات الفاعلة نحو تعزيز الحوكمة وإعمال مبادئها، بما ينعكس إيجاباً على أدائها ونموها وتطورها.. ونؤمل على التعاون البناء مع المنظمات المانحة في تعزيز حوكمة قطاع المجتمع المدني في اليمن».
وعبر عن «الشكر والإمتنان للوكالة الألمانية للتعاون الدولي/ برنامج الحكم الرشيد (مكتب اليمن)، التي كان لها الدور الأبرز في أن ترى هذه الدراسة النور، فضلا عن الجهود المبذولة والمقدرة في حوكمة القطاع الحكومي والخاص والمدني في اليمن.. وللباحثين، وكل المنظمات والأشخاص الذين تجاوبوا مع الدراسة، وللعاملين في المركز الذين كان لهم دوراً مشهوداً ومشكوراً، في إعداد هذه الدراسة».