الربيع العربي وميزان المناعة القومي الإسرائيلي
مخطئ من يظن أن الثورات العربية والحراك الشعبي العربي والانتفاضات الشابة التي لم يعتد عليها العرب? ولم يتحسبوا لها كما لم يتوقعوها? لم تخف الكيان الإسرائيلي? ولم تربك حساباته? ولم تشعره بأن الخطر الذي كان بعيدا?ٍ عنه قد أصبح اليوم يتهدده ويهز أركانه? ويخلخل بنيانه? ويحذره بأن المستقبل ليس كالماضي? وأحلامه في الأمس لن تغدو بعد اليوم حقيقة? هذا ما نبأنا به المتحدثون الإسرائيليون والضيوف الذين شاركوهم مؤتمر هرتسليا الثاني عشر? فقد رفعوا جميعا?ٍ أصواتهم محذرين أن حراس الكيان الإسرائيلي قد رحلوا? وأتباع الحركة الصهيونية قد فضحوا? ولم يعد هناك ثمة حارس?ُ أمين?ُ على كيانهم? يسهر على راحتهم ويحمي حدودهم? ولا يوجد اليوم من العرب من يملك خرقة قماش?ُ بالية يستر بها عورتهم? ويدافع بها عن سياستهم? ويذوذ بها عن حياضهم? فيمنع المقاومة? ويحارب المقاومين? ويزجهم في سجونه ومعتقلاته? إن لم يقتلهم ويخلص “إسرائيل” من “شرهم”.
اليوم بات الكيان الصهيوني عاريا?ٍ أمام الحقيقة الشعبية العربية الجديدة? التي رسم خطوطها شباب?َ ثائر? وجيل?َ ناهض? انبت عن ماضيه القريب والتحم بماضيه القديم? رافضا?ٍ الصفحات الصفراء التي رسمها ملوك?َ وحكام? وأبى إلا أن يرسم بدم شعوبه القاني صفحات?ُ مشرقة?ُ ومضيئة من تاريخ الأمة العريق? فقد أسفر الربيع العربي المجيد عن حقيقة المواقف العربية? وكشف اللثام عن نظرة الشعوب العربية إلى الكيان الصهيوني المحتل الغاصب? ولم يعد الحكام العرب هم الذين يعكسون صورة شعوبهم العربية? ولم يعد بمقدورهم أن يخفوا الحقائق? ولا أن يلووا أعناق النصوص? أو يحرفوا الكلم عن مواضعه? فهي الحقيقة الساطعة التي أدركها كل المحاضرين الإسرائيلين? الذين بدا على وجوههم الذهول من هول ما يجري في العالم العربي? فقد أدركوا أن عقيدة الجيوش العربية قد تغيرت? ومهمتهم قد تبدلت? فلم يعودوا حماة?ٍ لحكامهم ومدافعين عنهم? بل أصبحوا حماة?ٍ للديار? ومدافعين عن الوطن? ومقاتلين في سبيل عزته وكرامته وحرية شعبه? وهيهات لشعب?ُ عرف طريق الحرية وذاق حلاوة العزة والكرامة أن يفرط في نصر?ُ يتطلع إليه من قديم الزمن.
كثيرون هم المحاضرون بل المحذرون الخائفون الإسرائيليون في مؤتمر هرتسيليا? الذين حملت محاضراتهم تحذيرات?ُ شديدة اللهجة إلى الحكومات الإسرائيلية? التي أضاعت كل الفرص الماضية? وضيعت على نفسها وعلى الدولة العبرية فرصا?ٍ ثمينة لإنهاء الصراع? وتوقيع اتفاقيات سلام?ُ شامل مع كل الدول العربية? فقد أنب العديد من المحاضرين الحكومات الإسرائيلية التي رفضت المبادرة العربية وأدارت لها ظهرها? ولم تعتد بها ولم تستغلها? وقد كانت هي طود النجاة لكل شعب “إسرائيل”? الذي يحلم بأن يعيش في أمان?ُ وسلام?ُ? بعيدا?ٍ عن الحروب والدمار والقتل والويلات.
وحمل آخرون رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي بنيامين نتنياهو المسؤولية الكاملة عن عرقلة مسار السلام مع السلطة الفلسطينية? وأنه هو الذي أحرج رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس? وأجبره على التخلي عن خيار السلام والمفاوضات مع إسرائيل? وقد يأس أن يحقق خيار السلام له ولشعبه ما يريد ويتمنى? وما يطمح إليه ويسعى? وهو الذي عمل في سبيل هذا الخيار كثيرا?ٍ ? وتحمل من أجله الكثير من الأذى? ويرون أن نتنياهو هو المسؤول عن دفع عباس إلى أحضان حركة حماس? التي لا تؤمن بالسلام ولا تعترف بإسرائيل? وتعلن أنها تريد شطبها من الوجود? فلو أنه اعترف بعباس شريكا?ٍ له في عملية السلام? وتنازل له عن بعض ما يسميه “تنازلات?ُ مؤلمة”? فإن من المؤكد أن المشهد السياسي المحيط بإسرائيل كان سيكون مغايرا?ٍ لما هو عليه الآن.
ورأى محاضرون إسرائيليون وأجانب من الموالين للدولة العبرية والمحبين لها والخائفين على وجودها والقلقين على مستقبلها? أن الحكومات الإسرائيلية هي التي ساهمت في إسقاط أهم حلفاء الدولة الإسرائيلية عبر التاريخ? فقد أسقطت سياسات الحكومات الإسرائيلية الرعناء نظام حسني مبارك? وهو النظام العربي الوحيد الذي شعرت إسرائيل تجاهه بالأمن والسلام? فاطمأنت إليه وركنت إلى وجوده? ليقينها أنها الدولة العربية الوحيدة القادرة على إزعاج إسرائيل? وتهديد أمنها? وإشغالها في حروب?ُ قد تنهي وجودها? أو تربك حياتها وتجعلها في حال حرب?ُ دائمة لم تعد تقوى عليها.
يرى المحاضرون الإسرائيليون من على منصات مؤتمر هرتسيليا العديدة أن حصار إسرائيل لقطاع غزة? والحالة الإنسانية السيئة التي آل إليها القطاع وسكانه بسبب سياسة الحكومة الإسرائيلية الجاهلة? والحرب الفاشلة التي شنتها ضد حركة حماس والقوى الفلسطينية الأخرى الآسرة للجندي شاليط? كانت السبب المباشر للغضبة الشعبية المصرية ضد نظام مبارك? ولعلها كانت السبب الأقوى لخروج الجماهير المصرية المطالبة بإسقاطه? وقد كان بإمكان الحكومة الإسرائيلية إنقاذ حليفها مبارك لو أنها سمحت لبعض القوافل الغذائية والطبية بالوصول إلى غزة? ولو أنها أنارت شوارع غزة لكانت قد نجحت في