بقلم/ زهير أندراوس
التاريخ يُعيد نفسه، في المرّة الأولى كمأساةٍ وفي الثانية كمهزلةٍ، وفق مقولة ماركس، ويُمكِن القول، لا الفصل، إنّ المرّة الأولى، أيْ المأساوية، كانت في العام 1948 عندما ارتُكِبت أفظع جريمة في التاريخ، (النكبة)، تهجير الشعب الفلسطينيّ من أرضه، وتطبيق المقولة الصهيونيّة الكاذِبة بأنّ فلسطين هي أرضٌ بلا شعب، لشعبٍ بلا أرضٍ، أمّا المرّة الثانية، فقد بدأت في اتفاق (كامب ديفيد) بين مصر، أكبر دولةٍ عربيّةٍ، مرورًا باتفاق أوسلو المشؤوم مع منظمة التحرير الفلسطينيّة، وتوقيع الأردن على اتفاق السلام مع الدولة العبريّة في العام 1994، وأخيرًا، وليس آخرًا الوقوف في طابور الاستجداء للتطبيع مع كيان الاحتلال، الذي تحتّل المكان الأوّل فيه الإمارات.
***
الزعم بأنّ الإمارات توصلّت لاتفاقٍ مع الكيان، لأنّ سلطة أوسلو في رام الله مُطبِّعة مع إسرائيل منذ اتفاق أوسلو المنكود، وتعتبِر التنسيق الأمنيّ مُقدّسًا، هذا الزعم هو عذرٌ أقبح من ذنب: السلطة لا تُمثِّل الشعب، بل تقمعه، تمامًا مثلما حُكّام الإمارات الذين لا يُعبّرون عن آراء المواطنين، مع أنّ هذه الدولة تبعد ألف سنةٍ ضوئيّةٍ عن دولة المُواطنة، لذا فإنّ المُقاربة/المقارنة هي محاولة بائسة ويائسة لمنح حُكّام الإمارات صكّ البراءة والغفران على خيانتهم للأمّة العربيّة، وبالتالي، في الحالتين، الإماراتيّة والفلسطينيّة، يجري الحديث عن تطبيعٍ بين القيادة، دون الرجوع إلى الشعب. وغنيُّ عن القول إنّ رأس الأفعى، أمريكا، بالتنسيق مع دولة الاحتلال، والرجعيّة العربيّة، تعمل بدون كللٍ أوْ مللٍ لتصفية أعدل قضية في العالم، قضية فلسطين، ولكن مهما فعلوا سيبقى الشعب العربيّ-الفلسطينيّ، في جميع أماكِن تواجده، سدًّا منيعًا في مُواجهة المؤامرات، وللتأكيد على ذلك، يشهد العدوّ قبل الصديق، أنّه بعد مائة عامٍ من الصراع مع الصهيونيّة وصنيعتها إسرائيل، ما زال شعبنا يُناضِل من أجل قضيته، ووفق كلّ المؤشِّرات فإنّه سيستمِّر في الكفاح من أجل حقوقه.
***
تذّكروا ما كان قد قاله الشهيد غسّان كنفاني:”إذا كُنّا مُدافعين فاشلين عن القضية، علينا تغيير المُدافعين، لا القضيّة”. لذا نقول: كفى لاستدخال الهزيمة ومُحاولات كيّ الوعي العربيّ عن طريق امتهان عقول الأمّة الخالِدة، لأنّ المهزوم داخليًا لا يُفكّر بالنصر، فما بالكم/ن بُصنع النصر. فلسطين ليست للبيع يا حُكّام الخليج.
***
الإمارات تُشارِك في تمزيق الشعوب العربيّة، فبعد أنْ دعمت الإرهابيين هي وغيرها من دول الخليج لتفتيت سوريّة في إطار المؤامرة الكونيّة بهدف تقديمها كلقمةٍ سائغةٍ لأمريكا وإسرائيل، وتحويل سوريّة إلى دولةٍ فاشلةٍ، هذه السياسة هي خنجر في خاصرة الأمّة العربيّة، هدفها الإستراتيجيّ الأوّل إزالة التهديد العسكريّ على كيان الاحتلال، وضمان أمنه، بالإضافة إلى ذلك، تُشارِك “دولة السلام” (!) في العدوان على اليمن، بحججٍ واهيّةٍ، لأنّ أمريكا تُريد لها هذا الدور الوظيفيّ في تأجيج الصراعات التي تعصِف بالوطن العربيّ، كما أنّ الإمارات تتآمر على فلسطين، وتُوقِّع على اتفاق سلامٍ مع الذين اغتصبوا أرضنا، وذبحوا أمّتنا، وهجّروا شعبنا. لم نتوقّع من دول الخليج مجتمعةً إلّا التواطؤ والتخاذل، ضدّ الأمّة العربيّة من محيطها إلى خليجها، هذه الدول تُعادي كلَّ مَنْ يُنادي بالوحدة العربيّة والشواهد على ذلك أكثر ممّا تُحصى، ويكفينا الإشارة إلى أنّ أنظمة الخليج باتت تعتبِر التطبيع مع دولة الاحتلال هو القاعدة وليس الاستثناء.
***
وَجَبَ التذكير في هذه العُجالة، بأنّ الشهيد البطل غسّان كنفاني، الذي طالته يد الغدر الصهيونيّة الجبانة، كان قد أرسى مقولته المأثورة:”السعودية وراء كلّ خيانة، وإذا وقعت خيانة في أيّ مكانٍ، فابحثوا عن السعوديّة”، عذرًا يا غسّان، ليست السعوديّة فقط، بل السواد الأعظم من الأنظمة العربيّة، التابِعة لقائدة الإرهاب العالميّ، أمريكا، وربيبتها الحبيبة، إسرائيل.
***
وأخيرًا، منذ إقامة إسرائيل لم ينفّك أقطاب هذه الدولة المارِقة عن التصريح جهارًا ونهارًا أنّ سوريّة كانت وما زالت وستبقى مستهدفًة للأطماع الصهيونيّة، التي تتخطّى حدود فلسطين التاريخيّة. فها هو دافيد بن غوريون، مؤسس دولة الاحتلال، أكبر مثال على ذلك، فهو الذي أطلق مقولته الشهيرة والخبيثة: “عظمة إسرائيل تكمن في انهيار ثلاث دول، مصر والعراق وسوريّة”، وبالتالي لا يُمكن بأيّ حالٍ من الأحوال، الفصل بين ما يجري في سوريّة وفي دولٍ عربيّةٍ أخرى عن الماضي وتاريخ والأجندات الصهيونيّة والغربيّة الاستعماريّة معها، إذْ أنّ استهداف سوريّة لم يسقط يومًا من الاستراتيجيات الإسرائيليّة منذ ما قبل زرعها هنا على أرض فلسطين، وكان أكثر من المُتوقّع أنْ تنضّم دول الخليج إلى مساعي الكيان لتفتيت هذه الدولة العربيّة، والتي تأججت عند اندلاع “الثورة” (!) في 2011، كما أنّ تساوق المصالح بين الدول الخليجيّة وتل أبيب برز عندما اعتبر مجلس التعاون الخليجيّ حزب الله منظمةً إرهابيّةً، كما تل أبيب وواشنطن وبرلين، فيما باتت إيران، وفق أجندات دول الخليج العدوّ الأوّل والأخطر، وليس كيان الاحتلال، وهكذا أصبحت الدول الخليجيّة “رأس الحربة” لإضعاف محور الممانعة والمقاومة، خدمةً لسياسات واشنطن العدوانيّة، ولا نُجافي الحقيقة إذا جزمنا بأنّ الهدف الإستراتيجيّ من المؤامرة الكونيّة ضدّ سوريّة هو تصفية القضيّة الفلسطينيّة.
***
وما أشبه اليوم بالبارحة، ألَمْ يقُل القائد، المُعلِّم والمُلهِم، المرحوم طيّب الذكر، جمال عبد الناصر في الستينيات من القرن الماضي إنّ “حُكّام الخليج هم الوجه الآخر للاستعمار، ولا بُدّ من اجتثاثهم”؟ عظّم الله أجركم يا عرب الردّة السياسيّة.