بقلم/ ناصر قنديل
– في الظاهر يبدو الاتصال بين الشيخ محمد بن زايد والرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، تسللاً تحت ظلال الدخان اللبناني لتمرير خطوة خطيرة على طريق التطبيع مع كيان الاحتلال الذي بدأ التحضير له خلال فترات ماضية في معظم دول الخليج، وهو ما قد يعتقد الكثيرون أنه استثمار للحريق اللبناني لتمرير خطوات كان يصعُب تمريرها في ظروف عادية، لكن هذا وحده لا يعطي المشروعية الكافية لتوجيه الاتهام لأحد بتصنيع التفجير لتبرير الخطوة رغم خطورتها، أسوة بدور الحرب اللبنانية بتغطية اتفاق كامب ديفيد، وما كشفته الوثائق لاحقاً عن أن الاستفادة لم تتم عفواً، ولم تكن مجرد استثمار لها، بل إن الكثير قد بذل لجعل الحرب حدثاً مناسباً للتسلل تحت دخانها، وتسويق الاتفاقية.
– في التفاصيل يبدو الاتصال حلاً ملتبساً لقضية عالقة بين شركاء، حيث كانت صفقة القرن كما هو معلوم صناعة ثلاثية، أميركية إسرائيلية خليجية، في سياق رسم المشهد المرتبط بالتحالف في مواجهة إيران، وقد وقعت الصفقة بالفشل الكبير في منتصف الطريق بسبب العجز المشترك عن الفوز بالمواجهة مع إيران ومحور المقاومة في كل جبهات الاشتباك، فجاء الاتصال مخرجاً أميركياً لمطالبة نتنياهو بالتراجع عن مطلب ضم الضفة الغربية، الذي صار المكسب الوحيد المترتب على صفقة القرن بعد العجز عن تحويلها الى مشروع سياسي للمنطقة، يتولى الخليج تأمين التوقيع الفلسطيني عليه، وصارت المطالبة الأميركية بالتخلي عن قرار الضم ممكنة بداعي الحفاظ على الخطوة التطبيعيّة وما سيليها من مصالح مالية، كما قال نتنياهو، وهو يرفض التسليم بأن التطبيع يأتي مقابل التراجع عن ضمّ الضفة، كما قال بن زايد.
– في الواقع يحدث ما هو أخطر، ويخفي الأمر ما هو أعظم، فالتطبيع المنشود الذي يشق طريقه عبر الاتصال الثلاثي الأبعاد والأركان، يحقق حلماً تاريخياً لكيان الاحتلال فهو يتيح الفرصة التاريخية الموعودة والمنتظرة أمام مرفأ حيفا من بوابة التطبيع عبر الإمارات التي تشكل مستودع الخليج التجاري مع سائر دول الخليج، وهذا ليس مشروعاً سرياً وهو مدوّن في وثائق إسرائيلية كثيرة، ما يطرح السؤال عن سر هذا التزامن مع تفجير مرفأ بيروت، الذي يرتبط الحديث عن مرفأ حيفا بالحديث عنه كمرفأ منافس تجب إزاحته من الطريق؟
– الرعاية الأميركية للاتصال تؤكد أن الحصة الأميركية من عائدات تفجير المرفأ، وما تلاها من ديناميكية سياسية تقودها فرنسا، موجودة، وليست مجرد دعم للمسعى الفرنسي، على خلفية الاقتناع بعدم جدوى إدارة الظهر للبنان وتركه أمام خصوم الغرب يملأون الفراغ، وفقا لنظرية الرئيس امانويل ماكرون، فالتفاهم الإماراتي الإسرائيلي هو حصة واشنطن من الاستثمار في عائدات تفجير مرفأ بيروت، سواء باستغلال الحريق لتمرير الخطوة، أو بمنح مرفأ حيفا فرصة ملء الفراغ الناتج عن تدمير مرفأ بيروت بفتح الأسواق الخليجية أمامه، وفي ظل التزاحم الفرنسي التركي على لبنان وحيث الإمارات شريك لفرنسا في المنافسة، وهي حاضرة لتقديم المساعدات المالية لإعادة الإعمار بسخاء مشكور، كما يبدو، ينتقل التنافس على مرفأ بيروت بين باريس وأنقرة، وتربح باريس حتى الآن، فهل هناك اتفاق ما وراء الستار على حجم ودور مختلفين لمرفأ بيروت، بعد التفاهم الإماراتي الإسرائيلي؟
– يجب أن نسأل عما تم تسريبه إماراتياً حول مشروع شركة موانئ دبي قدّم سابقاً للبنان بتطوير مرفأ بيروت وربطه بخطوط سكك حديدية إلى الخليج، هل هو مجرد إعلان وتبرير لغسل اليدين، والاكتفاء بالمساهمة بالإعمار للمساكن، أم هو عرض لا يزال قائماً؟