بقلم/ سند الصيادي
لأننا نعلم يقيناً أن نهجَ الإمام علي بن أبي طالب لم يكن منهاجاً لذاته، بل ترجمة عملية لنهج الرسول الأعظم؛ لذا فإن إعلاءَنا لهذه القيمة الأَسَاسية والهامة للإسلام ورسالته وَرسوله يصبح في حكم الواجب الروحي والعملي الذي تفرضه انتماءاتنا النظرية للهُوية الإسلامية التي لطالما اعتززنا بها وباعتناقها، ولا يضيرنا في هذا الطريق أن نتلقى كُـلَّ مصطلحات التشويه والنقد وَالتجيير لهذه القناعات، أَو حتى محاولة جرجرتها إلى مربعات الاجتهاد وَالخلاف المشروع الذي يصنف بأنه لا يفسد للدين قضية.
وعلى الرغم من أن ما وصلنا من إرث في الجانب الديني وَمن وثائق وأدلة على شخص وَدور الإمام علي وَالتوصيات الإلهية والنبوية لولايته كثيفة وَمترابطة وَغير متناقضة، ومتنوعة بين آيات قرآنية وَخطابات وأحاديث نبوية ومواقف وَشواهد لا يمكن نكرانها أَو نقضها بمزاعم نكران مرتبكة وَمكشوفة، فإن ما بين أيدينا من شواهد عملية على ضرورة العودة إلى هذا الصواب كفيلٌ بإيضاح ما خفي علينا من إرث وتأكيد لإثبات ما بين أيدينا من دلائل عجزت مطابع الدجل الفكري والثقافي والإعلامي التابعة لقصور الملك وَالحكام عبر القرون المتعاقبة عن طمس حروفها وَحبر مدادها، كما عجزت رغم مسعاها الدؤوب عن وأد كُـلّ نفس انتهجتها وتكميم كُـلّ فاه أعلاها ودعا إليها.
وحتى لا نقحم أنفسنا في مسار هذه الدلائل على غير سعة في علوم الدين الحق الذي له رجاله من علماء وباحثين، يكفي أن نستحضرَ الشواهد الدنيوية التي تقودنا في نتائجها إذَا ما أحسنا المراجعة والتقييم بعقل الحرص وَدافع المسؤولية إلى هذا النهج كحاجة قصوى، وما أكثر تلك الشواهد التي تقودنا إلى حاجتنا لعلي الرجل والنهج والموقف الذي أراده الله لنا فناراً يقودنا إلى طريق الارتقاء الدنيوي قبل الفوز بالحياة الأُخرى.
ألف وأربعمِئة سنة قمرية والأمة شاردة الذهن، فاقدة للبوصلة، منهكة القوى وَمقطعة الأوصال، تتآكل تحت أقدامها الجغرافيا، وَتتواهن في سواعدها قوة الدفاع والعمل، وتتلاشى في أدمغتها الدوافع الدينية والوطنية، وتضمحل أمامها فرص الخلاص وَتطلعات الانعتاق من واقع تتفق جميعها في توصيف مآسيه وَعدم لائقية البقاء فيه، استنفذت كُـلّ السبل وَجربت كُـلّ المشاريع، غير أنها لم تفلح في عودة الروح إلى جسدها الملقى على قارعة المشاريع التآمرية، بقدر ما زادته ذلًّا وَضعفاً وَهواناً.
وإذا ما نوينا كأمة مطحونة أن نضع حدًّا لهذه الرحى التي تستمر في تفتيت وجودنا، فإن أمامنا اليوم نماذج واضحة وملموسة من أنظمة وَحركات المقاومة التي رغم عزلتها وَتكالب الأعداء عليها، إلا أنها أحدثت فرقاً في معادلة الصراع، ونجحت في قلب الموازين، وباتت ككيانات ومشروع تلهم الأُمَّــة بشائرَ النصر، وتمنحها نفس المواجهة وَجني ثمار العودة إلى مخرجات ذلك اليوم الوداعي الحاشد لرسول الله في بقيعة الغدير.
رأينا بعيوننا الغير مصابة بقصر النظر وَإدراكنا الغير معتل، مفاعيل هذا التولي في ذروة الاستهداف الكوني للإرادَة اليمنية، وَكيف وقف الله بصف المستضعفين ناصراً ومثبتاً وَمحبطاً لكل المكائد، وَالتي كانت كفيلة بإسقاط أي مشروع ناشئ يشابه حالتنا بمعايير المقومات المادية التي لا تكادُ تقارنُ بآلة الاستهداف الضخمة لها، ورغم تلك المعجزات لا يزال الكثير منَّا يهوى التجديفَ مبتعداً عن السر، باحثاً في التفسيرات المضللة على الحقيقة.
ختاماً نقول إننا سنحتفي بهذا اليوم وَسنواصل الإجلال النظري وَالعملي لهذه الشخصية القدوة بنضج الوعي المتراكم وَرغبة النجاة الملحة، وَبرسم العودة لطريق الحق الضامن والآمن، وفي ذواتنا حسرة وَأسف على نزف القرون وَالمراحل الماضية، فكم هو مؤلم أن يحدث كُـلُّ هذا الوجع المفتعل، وَتظل تتجرع الأُمَّــة سموم الموت بقنينات التداوي بالجهل والتغرير، فيما الترياق حاضر في كُـلّ مكان وزمان، مهجور بعمد الشيطان وَنزوة الملك والسلطان الذي لطالما تمثل لنا في شعارات فضفاضة ومصطلحات براقة لم نرَ في نتائجها إلَّا المزيد من الضياع والتيه والخسران.