بقلم / سند الصيادي
بعدَ ما يقاربُ 5 سنوات ونصفَ سنة، من فشل المشروع السعودي في اليمن، وَعودة المناطق التي كان قد وصل إليها مرتزِقته، على يد رجال الجيش واللجان الشعبيّة بشكل متتابع وَمتصاعد، وبعد أن تجاوز الشعبُ اليمني منذ سنين عدة بصموده وثباته رهبةَ المواجهة وَمقارناتِ الفوارق في الإمْكَانات، والانتقال من الدفاع إلى الهجوم نحو استعادة ما قد كان سقط، وَما توازى مع ذلك مِن تصاعدٍ في القدرات العسكرية وَالوعي الشعبي، وَتساقط الذرائع والأدوات التي راهن عليها العدوان في مستهل عدوانه.
بعد كُـلّ ما سبق وما نتج عنه من انحسار لمشروعه الخبيث على حساب توسع المشروع الوطني وتناميه، لا يزالُ العدوّ السعودي والإماراتي يخوضون الحربَ خارج هذه الحسابات، ماضين في مسار انتحاري غريب بلغة السياسة أن تنتهجَه دولة أَو نظام في العصر الحديث دون أن يحدث جدلاً أَو تقييماً يؤدي إلى إيقاف هذه الهرولة غير المحمودة العواقب بناءً على المؤشرات الظاهرة.
نعي تماماً أن المشروعَ الذي أُريد له أن يعتملَ في اليمن هو مشروعٌ أمريكيّ بريطانيّ صهيونيّ في المقام الأول، كما نعي أن النظامين السعودي والإماراتي ليسا إلَّا أدوات مباشرة لتنفيذه بالوكالة وبما يجنب رعاة هذا المشروع المخاطرَ والخسائر المباشرة، لكن وعينا هذا لا يعفي الأدوات من أن تبحثَ عن مصالحها من واقعها العبودي وَفي خضم هذا الارتهان وفق ما تفرضه آدميتها وَمصالحُها هي الأُخرى ولو بالحد الأدنى، فلو جزمنا بعبودية النظام السعودي لأسياده، لانتقدنا أَيْـضاً حتى حجمَ هذه العبودية غير المسبوقة في تاريخ السيادة والاستعباد البشري الذي ينتفض أدواته في اللحظة المصيرية، لحظة الموت وَانعدام خيارات الحياة، فيما يظهرُ هذا التحالف في ذات اللحظة غير متذمرٍ أَو متلكأ أَو ساخط أَو متحين خيارات الخلاص كما فعل من سبقوه من المماليك.
كنا نعتقد بحسابات العقل الواعي وبعيدًا عن الدافع الأخلاقي والإنساني المعدوم لديه أن المجازر الوحشية التي ظل يرتكبها هذا التحالفُ منذ 5 سنوات ضد أطفال ونساء وأبناء هذا الشعب، ما كان له أن يرتكبَها إلَّا في ظل بقاء فُرِصِه في هزيمة المشروع الوطني وَتمكّنه من حسم المعركة لمصلحته وأدواته الداخلية، وحينها افترضنا أن إمعانَه في جرمه مبنيٌّ على حساباتِ إمْكَانه في وأد الإرادَة الشعبيّة وَإخفاءِ معالمها وشواهدها وذكراها حتى، بما تفرضه ثقافة المنتصر.
لكن وبعد أن تلاشت هذه الفرصُ بكل الحسابات السياسية والعسكرية والجغرافية والشعبيّة، وبات حتى العامة على علم وَدراية بها وَبشواهدها، نتساءل بهذا الشأن: لماذا تستمر مجازره وجرائمه بذات الوحشية التي بدأ بها إن لم تكن أشد، لماذا يمعن في مراكمة الأحقاد والغضب الشعبي عليه في مراحل الهزيمة وتوقعات الانتقام منه، وَما الذي بقي ليراهنَ عليه هذا التحالف، في الوقت الذي كان متوقعا منه كعدو أن يبدأ في مراجعة حساباته الوجودية الباقية من خلال التهدئة وَإحياء فرص السلام وَمعالجة آثار ما قد سبق من إجرام، كما فعل سادته في حروبهم الفاشلة عبر المراحل والشواهد كثيرة.
والخلاصة، أننا نواجهُ أسوأ أنواع الأعداء وأشدهم كُفراً ونفاقاً وَغباء، أعدموا أمامنا كُـلّ الخيارات دون فنائهم وَنهايتهم، وبالإشارة إلى قول السيد القائد في إحدى خطاباته، تمنينا أن نواجهَ الولايات المتحدة في حرب مباشرة وَكذلك إسرائيل، بدون هذا الجدار من الوكلاء وَالأدوات الهمجية الرعناء الرخيصة التي تمضي في حرق حاضرِها ومستقبلها وَمصالحها إلى جانب عروبتها وَدينها وَإنسانيتها، فباتت كلفةُ حربنا معها كبيرةً بكل المقاييس، فيما كانت ستكون أقلَّ مع العدوّ الحقيقي، والذي مهما كان حقدُه وعدائيتُه ضدنا، إلَّا أنه يملكُ العقلَ والذكاءَ الكافي لاتِّخاذ قرار الانسحاب وَالإقرار بالخسارة، وتتوفر لديه ثقافةُ القبول بالهزيمة؛ للحفاظ على ما بقي له من ماء وجه وَمن وجود.