جزيرة سُقطرى والأطماع الساذجة للغزاة الجدد
بقلم / أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور *
تحتل جزر أرخبيل سقطرى أهميةٍ استراتيجيةٍ كبيرة في الجغرافيا والسياسة اليمنية، وهي جزيرة فريدة من نوعها في كل شيء تقريباً في مناخها، وتضاريسها وتنوعها الحيوي، حيث يتواجد بها كل شيء نادر وخاص بها كالأشجار والنباتات والطيور والحيوانات، وجميعها لا توجد سوى في هذه الأرض الجميلة جزيرة سقطرى، ولأهميتها الاستثنائية قد أهتمت الجامعات اليمنية بها وعقدت سلسلةٍ من الندوات والسيمنارات العلمية، وأهتمت كذلك بتأليف الكتب والأبحاث والأطروحات العلمية عنها، وبالذات جامعة عدن، قد خصصت حيزً من مكتبتها المركزية عن البحوث والإنتاج العلمي عنها وعبر تنفيذ العديد من المؤتمرات العلمية والندوات البحثية خلال العقود الماضية، حتى أن المستشرقين الأوروبيين لم ينقطعوا قط عن زياراتها العلمية والبحثية وعلى رأس هؤلاء البروفيسور الروسي الشهير/ فيتالي ناؤمكين، الذي عمل أستاذاً مقيماً وزائراً في مدينة عدن وجامعتها، و قد الّف العديد من تلك الكتب عنها، وأتذكر أنه في زياراتي الأخيرة لجمهورية روسيا الاتحادية في العام 2014م، زرت المعهد العالي لعلوم الاستشراق في موسكو وتحدثت مطولاً مع البروفيسور/ ناؤمكين حول الاوضاع السياسية والاجتماعية في اليمن ولكن أخذنا الحديث الشيق حول آخر إنتاجه العلمي حول جزيرة سقطرى وقال أن إحدى المؤسسات الثقافية في مشيخة الإمارات العربية المتحدة قامت بطباعة كتابه الاخير حول الجزيرة واهميتها الايكولوجية والديموغرافية والاستراتيجية.
هذه هي الجزيرة الاستثنائية التي كلما لاح ذكرها لدى الرواة والرحالة والمتخصصين تثير في نفوس الطامعين والحالمين معاً معنى الانشداد نحو التعرف عليها والبحث عن موطئ قدم عليها كمطمع في الاستيلاء عليها، وقد كانت مٌنذ زمنٍ بعيد محل أطماع دول وقوى أجنبية عديدة، كالأغريق، والرومان والمقدونيين بقيادة الأسطورة العسكرية الإسكندر المقدوني والفرس والفراعنة، لكنهم جميعاً غادروا دون أن يمكثوا بها إلاّ لبضع سنين وشهور، إلى أن جاءت طلائع القوات اليمنية في العصر والحقبة الحِمّيَرية اليمنية واستطاعت أن تبسط نفوذها وهيمنتها المطلقة قُبيل ميلاد المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام بعددٍ من السنين واستمر الحال كذلك إلى يومنا هذا، ومن بين الطامعين في احتلال الأرخبيل جاء المستعمرون البرتغاليون في العام 1507م وانزلوا جنودهم بها لكن لم يرق لهم الأمر فغادروها بعد بضع سنين، وجاء المستعمرون البريطانيون واحتلوها كجزء من الاراضي اليمنية لجنوب اليمن في العام 1799م وفِي 19يناير 1839م، واستمر الاحتلال البريطاني بجنوب اليمن حتى يوم الجلاء في الـ 30 نوفمبر 1967م وجاء بعدهم الجيش الأحمر السوفيتي للقيام بتدريب الجنود والضباط لجيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وبقوا فيها السوفيات إلى يوم الوحدة اليمنية المباركة.
مُنذ العدوان السعودي – الإماراتي الوحشي على اليمن في صبيحة الـ 26 مارس 2015م، تم إنزال أسلحتهم الثقيلة من دبابات ومجنزرات ومصفحات وناقلات جُند وأطقم عسكرية كما أرفقوها بأطنان من الأسلحة المتوسطة والخفيفة، أنزلوها على أرض اليمن الطاهرة في كلٍ من (عدن وأجزاء من تعز ولحج وأجزاء من الضالع، وأبين وشبوه وأجزاء من البيضاء ومأرب، واقليم حضرموت بما فيها جزيرة سقطرى) ، نزلوا كمحتلين (مستعمرين) غاصبين للأرض والإنسان (عيني عينك)، بدأوا بالإنزال من عدن واستمروا في بقية المحافظات الواقعة تحت الاحتلال وآخرها جزيرة سقطرى الجميلة المسالمة.
في مبتدأ الأمر حضرت القوات الغازية السعودية – الاماراتية مع جحافل من الجنود المرتزقة الجنجويد من السودان ومع جنود وضباط من الشركة الأمنية الامريكية (بلاك ووتر) وتعاون مع قوى العدوان مجموعةٍ محلية عباره عن مرتزقه من مقاتلي تنظيم القاعدة وداعش والعصابات المسلحة من الحراك الجنوبي المسلح ومن مقاتلي الإخوان المسلمين (من تنظيم حزب الإصلاح)، هكذا كانت المعادلة العسكرية الأمنية مُركّبه لما أُسمي آنذاك (بالمقاومة الجنوبية!!!) وتم الترويج الإعلامي لها بكثافة من قنوات دول العدوان منها قناة العربية والحدث وسكاي نيوز عربية وقناة الحرة الأمريكية وتوابعها من وسائل إعلام الدول السائرة في الفلك الأمريكي — الصهيوني وغيرها.
يعتقد البعض أن هناك خطط متناقضة بين مصالح الغازي المُحتل السعودي – الإماراتي، وأن هناك حرص متبادل منهما على مصالح الشعب اليمني ضد من أسموه (الانقلابيين الحوثيين والمؤتمريين في العاصمة صنعاء والمحافظات الحرة) المدعومين من جمهورية إيران الإسلامية، هذه الخلطة الدعائية الإعلامية المسمومة والكاذبة قد انطلت على البعض من البسطاء في أول الأمر إلى أن تبيّن لهم الخيط الأسود من الخيط الأبيض وعرف الغالبية الساحقة من الشعب اليمني، بأن مجيئ دولتي العدوان إلى اليمن جاء للأهداف الآتية:
الهدف الأول:
جاؤوا من اجل تبادل الأدوار في تكتيك سياسي مفضوح لمن يفهم، وبأنهم حضروا إلى اليمن من اجل تقاسم المصالح الجغرافية والاقتصادية والجيواستراتيجية، لتأخذ الإمارات العربية المتحدة نصيبها في عدن والجزر اليمنية ومضيق باب المندب، بينما تستحوذ المملكة العربية السعودية على اقليم حضرموت بقضه وقضيضه ومنافعه العديدة بما فيها الإطلالة الاستراتيجية على بحر العرب، وهو حلمٌ قديم بدأ منذ زمن دولة الحزب الاشتراكي اليمني في جنوب الوطن وأستمر في زمن دولة الوحدة اليمنية المباركة في ظل رئاسة الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح لليمن وبعده رئاسة الرئيس/ عبدربه منصور هادي.
الهدف الثاني:
وقفت المملكة العربية السعودية ومعها دول مجلس التعاون لدول الخليجي العربي باستثناء دولة قطر ضد قيام الوحدة اليمنية المباركة من يومها الأول، وقد ساندت بالحديد والنار والعتاد والمرتزقة قرار الانفصال الذي اتخذه الجناح المتطرف في الحزب الاشتراكي اليمني بقيادة أمينه العام الرفيق/ علي سالم البيض، ولكن إرادة الشعب اليمني افشلت هذه المؤامرة القذرة وانتصرت الوحدة اليمنية آنذاك في 07/07/1994م، وإنها منتصرةٌ دائماً بإرادة الشعب اليمني وبعون الله.
الهدف الثالث:
إبقاء الشعب اليمني بجميع قواه الحية تحت الوصاية الدائمة للأشقاء الجيران وبالذات من قبل (الشقيقة الكبرى – السعودية)، لأن لدى الجيران هاجس وفوبيا الخوف المستمر من وحدة الشعب اليمني، ومن أية قوة تحررية قد تقود الشعب اليمني وتتناقض في مصالحه معهم.
الهدف الرابع:
كي تكون اليمن ذي الكثافة السكانية تحت الوصاية المستمرة، عليهم إبعادها عن أية مشاريع تنموية في الإنسان والاقتصاد لكي يبقوا أسيري الثالوث الرهيب (الجهل والمرض والتخلف) وما نشاهده في مدينة عدن اليوم ومُنذ خمس سنوات من الاحتلال، خير شاهدٍ وخير إثباتٍ على أن خطط المحتل الإعْرَابي البغيض بأن ليس لها علاقة بمصالح المواطنين في عدن والمحافظات المُحتلة، وكما يلاحظ القارئ اللبيب فإن عدن أصبحت محرومة من خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي والنظافة والتطبيب وخلافه، اليوم عدن تعيش كارثة إنسانية عظيمة بسبب الأوبئة وجائحة كورونا (COVID-19)، إذ تشير التقارير اليومية الصادرة من الجهات الرسمية والاعلامية بأن حالات الوفاة اليومية تصل في المتوسط إلى خمسين حالة وفاة.
الهدف الخامس:
الجزر اليمنية جميعها هامة وأساسية لليمن كجزءٍ أصيل من تكوينها الجغرافي والاستراتيجي والوطني، ومنها تنبثق مفهوم الهوية اليمنية الأصيلة، لكن جزيرة سُقطرى وأرخبيلها تُشكِل جوهرة المكان لليمانيون، ولولا أهميتها لما لمعت كبريق ضوء في عقول وأفئدة اباطرة العالم منذ العهد الإغريقي وحتى الاحتلال البريطاني للظفر بها، وإن لم تكن تحمل كل تلك الدلالات المثيرة والساحرة لتهييج الرغبة الجامحة في السيطرة عليها من قبل الغرباء، لِما طمع بها الغرباء، و لم تحط رحال اليمانيون منذ الحضارة الحميرية اليمنية الموغلة في التاريخ وحتى كتابة هذه الأسطر عنها، وهي ذات الشهوة المُفزعة التي سيطرة على عقول وقلوب المستعمر الحديث وهي (الشقيقة الصُغرى لليمن) الإمارات العربية المتحدة، التي خصصت لاحتلالها الإمكانات العسكرية وتجهيزاتها وعتادها و أشترت حفنةٍ من المرتزقة الخونة من أجل تنفيذ خططها ومشاريعها في الجزيرة، لكنهم نسوا وتناسوا مُعطى التاريخ وفعل الحاضر في معادلة السيطرة واحتلال الجزيرة بأن الشعب اليمني لا يعتبر الأرخبيل ميراث جده وأبوه، بل هي حياته الحاضرة والمستقبلية، وأن اعتمادها على حفنةٍ من مالها المدني بغية شراء نفرٍ من المرتزقة اليمنيين لن يُؤْمِّن لها البقاء الآمن فيها على الاطلاق، وأن مغامرتكم ماهي إلاّ نزوة حاكم عابرة لمراهق غضْ ستسحقه الأيام اليمانية القادمة القريبة إن شاء الله تعالى.
لقد اتخذت المواجهات الإعلاميةٍ والأمنية والعسكرية بين حلفاء الأمس واعداء اليوم من عملاء ومرتزقة دولتي العدوان حالة كرٍ وفر طيلة الفترة الماضية لكن الاقتتال ظهر على السطح في الأيام الماضية، ومات فيها أول شاب سقطرى برصاصات مرتزقة الاحتلال، هي الشرارة الأولى لصناعة الفتنة القاتلة بالجزيرة، تخيلوا أن هذه الجزيرة آمنه منذ أن قاومت المحتلين البرتغاليين قبل 500 عام تقريباً، ومن يومها لم يسمعوا طلقة مدفع ولا رصاصة شاخوف ولا حتى طلقة مسدس ماكروف، نعم هي جزيرة السلام والوئام والأمن والأمان، إلى أن جاء الغزاة (الأعراب) إليها بمعية مرتزقتهم الأكثر رخصاً في العالم.
لا نشك لحظةٍ واحده في أن الغالبية العُظمى من أهلنا الكرام في جزيرة سقطرى لا ينتمون إلى هذا المعسكر الإرتزاقي الخياني أو ذاك، و سقطرى وأهلها وقبلهم مواطني محافظة المهرة، جميعهم وطنيون من الطراز الرفيع ومسالمون إلى حدٍ كبير ومنشغلون بمصالحهم الحياتية في حرث الأرض وصيد السمك، كما هو انشغالهم بالتعليم والتأهيل والتطوير الثقافي، ولأنهم كذلك استغل المحتلون الإماراتيون الموقف وجلبوا عن طريق السر والعلن مرتزقة مسلحة من محافظتين يمنيتين بعينها التي تبعدان عن الجزيرة بمئات الكيلو مترات، لتستغلهم كجنود مرتزقة مأجورين لتنفيذ خططها الشيطانية، وهو الحال ذاته بوجود جنود يمنيون يدافعون عن الحدود الجنوبية للملكة العربية السعودية، فالمرتزق لا قيمة له ولا وزن ولا احترام له، وسعره الحقيقي يساوي ألف ريال سعودي أو ألف درهم إماراتي.
نحن ندرك أن الأعداء على اليمن قد خسروا الكثير من أموالهم وربما خسروا بعض من ابنائهم ومرتزقتهم، لكننا نود أن نُذكِّرهم ونُذكِّر احفاد احفادهم بأن جزيرة سقطرى غالية الثمن والكلفة بالنسبة لليمنيين ويعتبرونها بمثابة حدقات العيون، و لم نسمع قط في كتب التاريخ ولا في سيرة الإخباريون بأن هناك شعبٌ ما قد باع حدقات عيونه الثمينة بمالٍ بخس، والله أعلم مِنّا جميعاً.
وفوق كُلّ ذيِ عِلمٍ عَلِيم
*رمجلس الوزراء