“تقليب المواجع” لخيري شلبي: قصص تؤر?خ للشقاء الإنساني
في مقدمة مجموعته القصصية “تقليب المواجع” (الهيئة العامة لقصور الثقافة? 2008)? والتي اجترح لها كعنوان “تواصل” يشير فيها الروائي الراحل خيري شلبي (1938-2011) إلى أن هذه الأقاصيص من طفح الواقع المصري الراهن? مشحونة بعذابات مروعة? هي حكايا بشر تعساء لا ذنب لهم إلا قدرهم الذي أوجدهم في أشد عصور التاريخ فسادا? مؤكدا على أنه ليس سوى “حكواتي سر?يح” يشتري الحكايا من منابتها? يجوب وراءها الأسواق والشوارع والحارات والمنعطفات والقرى مهما كلفه ذلك من مشقة? لكنه لا يبيعها مطلقا? إنما هو مولع بعرضها بأسماء أصحابها وبأصواتهم? ليس افتتانا بهذه الألوان المختلفة من طرائق السرد الشعبي الساحر في تلقائيته دون الحاجة إلى وسيط لغة خارجية? إضافة إلى أنهم أدرى بمكامن نفوسهم ومواطن مواجعهم. ويختم مقدمته مقر?ا بأن: “في تقليب المواجع تجديد لحرارة الألم وتخليد له في الذاكرة الإنسانية التي تنضجه فيكون رابطا بين قلوب كافة الموجوعين? إذ ليس ثمة من جسر للتواصل الإنساني أنجع من جسر الألم المشترك? وليس أنجع منه في إثارة الغضب النبيل!”.
* في قصة “خلاص”: يصور صاحب “الوتد” معاناة أم نوال وهي تعاني شظف العيش مع أسرتها? بعد أن آثر الزوج الهروب/العودة -رغم تقاعده- إلى السعودية مرة أخرى? ليعمل في مستشفى خاص? أما الابن فيبيع كل ما يصلح للبيع بالبيت? لأنه مدمن على المخدرات? ويصطحب رفاق السوء لشرب الخمر والتدخين في البيت? فتغلق الأم عليها وعلى بناتها غرفتها…
أثناء ترقيع أم نوال الفستان? تكتشف ثقبا آخر? وتذهب للبحث عن أنبوبة السم.. للانتقام من الفأر? وتتذكر كيف اعتدى الابن عماد على أخته الكبرى نوال? الجامعية.. بحلق شعرها وتشويه وجهها بسكين عند رفضها الزواج بـ(عربجي)? وعند رفض الأخت فايزة دخول الحجرة مع أحدهم قام بإضرام النار فيها? ولم تمت… لكنها كانت تموت كلما نظر أحدهم إلى وجهها المسلوخ… وعند عثورها على أنبوبة السم تأتيها صرخة ابنتها مديحة وشعرها محلول وثوبها ممزق? بعد أن حاول الأخ أن يغتصبها? ولم تجد بدا من أن تدس السم بنفسها في العصير? بعد أن طلب من أخته أن تأتيه بليمون? ثم أمرت ابنتها أن تبلغ البوليس.
* في “مضيق العتمة” : يعود خيري شلبي إلى عالمه الأثير.. عالم المقابر? الذي يمثل جزءا كبيرا في أدبه? فقد عاش بها فترات طويلة? وكتب عنه أكثر من رواية… في هذه القصة يتحدث عن لجوء السارد إلى اصطحاب أحد زملائه من طلبة الطب? وقيامهما بعملية سمسرة مع المعلم حن?س? بعد جمع المال من زملائهم? ويقومان بإخفاء فارق ثمن الجثة في جيوبهما… وعند عودته مع زميله وائل إلى نفس المقبرة? سيكتشف الزميل أن المعلم باعه جثة عمه الذي دفن قبل شهر? لكن المعلم ورجاله يحاصرونهما? ويسلمهما للشرطة يدا بيد باعتبارهما من لصوص المقابر.
* “اللحم المصري”: عنوان القصة يشي بموضوعها? هي عن البؤس و زواج المتعة… الساردة تضحي بأن تتزوج أكثر من مرة? لتضمن شقة? ولا يبدي حبيبها سعيد أي اعتراض? وتسل?مه مالا ليستأجر شقة تحتها محل? لكنه يختفي? وتنتهي القصة بسؤالها للمحامي: هل تنفع قضيتي هذه أمام المحاكم?
* أما “قلب كلب”: فهي كوميديا سوداء عن كلب يعيل أسرة. الزوج الجزار يستغرب كيف أن الكلب يتركه ويتمسح بزوجته التي تسارع إلى غسل ثيابها سبع مرات.. وهي المرأة التي تعطف على كل الحيوانات? مما يجعل الكلاب تحتك بها? فتسارع بضرب الكلب بمقدمة حذائها? وهي تصرخ وتسب… في حين لا تهتم به الكلاب ولا بعظامه التي يلقي بها إليها. ولاحظ بأن ما يتبقى من الطعام تضعه الزوجة في كيس يحمله الكلب? فتعقبه وهو يتجه نحو مساكن عشوائية? وتكون في انتظار الكلب صبية? تتلقفه وتأخذ منه الكيس? وعند استغرابه تخبره بأنه معيلهم وهي التي دربته.
* “شبح الغروب”: ترصد معاناة الأستاذ قاسم? أستاذ اللغة العربية وآدابها بالجامعة.. التي بدأت حين أخبرته زوجته بأن جارتها تلح عليها بزيارتها في شقتها? وقبلها لاحظ امرأة متشحة بالسواد تتردد على العمارة? وتصير تلك الزيارة طقسا يوميا? يجعل الأب والولدين ينتظرون ثلاث ساعات حتى تنتهي الجلسة الوعظية? وبعد أن انفردت بابنيها في غرفتها? صارا مثل عجوزين أحمقين.. يراجعانه في صلاته ووضوئه وكل أمور الدنيا.. لم يعد يحق له أن يتابع برامج التلفزيون كالمباريات والتمثيليات السينمائية? بينما هم يحرصون على متابعة الفضائيات الدينية? وبدأ الثلاثة يشمئزون من مكتبته وما تحويه من علوم دنيوية? ورغم إيمانه القوي ونقاء قلبه وجد نفسه يقاوم الوضع.. بدل أن يفقد السيطرة على زوجته وولديه? إلى أن استسلم ووقع فريسة للاكتئاب? وقد أهملت الزوجة واجباتها الأسرية? فاختفى وغادر البيت? كما علم السارد/الصديق من البواب.. وحين رأى الصديق شبحا أسود (امرأة مبرقعة) يتجه نحو العمارة التي يسكن فيها? في إشارة إلى نفس الخطر الذي عصف باستقرار الأستاذ قاسم? ركض خلفها وهو يصرخ…
* “نار الجنة”: نص ي?ْروى بشف